كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 48 """"""
عمر بن الخطاب رضى الله عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ، ويذكرون ما أكرمهم الله به ، إذ نظر إلى حين أناخ على باب المسجد متوحشا السيف ، فقال عمر : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر ، وهذا الذى حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر . ثم دخل عمر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يابني الله ، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوحشا بسيفه ، قال : فأدخله على ، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها ، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاجلسوا عنده ، واحذروا عليه هذا الخبيث ، فإنه غير مأمون ؛ ثم دخل به على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فلما رآه قال : أرسله ياعمر ، ادن ياعمر ؛ فدنا ثم قال : انعموا صباحا - وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم - فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك ياعمير ، بالسلام تحية أهل الجنة ؛ قال : أما والله إن كنت يا محمد بها لحديث عهد ؛ قال : فما جاء بك يا عمير ؟ قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه ؛ قال : بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا قال : اصدقني ، ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك ؛ بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له ، والله حائل بينك وبين ذلك . قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحى ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هدانى للإسلام ، وساقني هذا المساق ، ثم شهد شهادة الحق . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " فقهوا أخاكم في دينه ، وأقرئوه القرآن ، وأطلقوا له أسير " ، ففعلوا .
ثم قال : يا رسول الله ، إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله ، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة إلى الله ، وإلى رسوله ، وإلى الإسلام ، لعل الله يهديهم ، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم . قال : فأذن له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلحق بمكة . وكان صفوان بن أمية يقول لقريش : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام ، تنسيكم وقعة بدر ، وكان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه ، فحلف ألا يكامه أبدا ، ولا ينفعه بنفع .

الصفحة 48