كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 51 """"""
من النقمة ، وأسلموا ، فإنكم قد عرفتم أنى نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ؛ قالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، إنا والله لئن حار بناك لتعلمن أنا نحن الناس .
فأنزل الله تعالى فيهم : قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد . قد كان لكم آية في فئتين آلتقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولى الأنصار . حكاه أبن إسحاق بسند يرفعه إلى أبن عباس .
وقال أبن هشام في سبب هذه الغزاة : إن آمرأة من العرب حلمت بجلب لها ، فباعته بسوق بنى قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت آنكشفت سوءتها ، فضحكوا منها ، فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ، وكان يهوديا ، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود ، فأغضبهم ، فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع . عدنا إلى مساق حديث أبن سعد ؛ قال : فسار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم ، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب ، وكان أبيض ، وآستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، ثم سار إليهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذى القعدة ، وكان أةل من غدر من اليهود ، وحاربوا وتحصنوا في حصنهم ، فحاصرهم أشد الحصار ، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب ، ونزلوا على حكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أموالهم ، وأن لهم النساء والذرية ، فأمر بهم فكتفوا ، وآستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمى . فكلم عبد الله بن أبى فيهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وألح عليه ، فقال : خذهم ، لعنهم الله ؛ وتركهم من القتل ، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة ، وولى إخراجهم منها عبادة بن الصامت ، فلحقوا بأذرعات ، فما كان أقل بقاءهم فيها .
وقال أبن إسحاق في خبر عبد أبى بن سلول : إنه قال إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين أمكنه الله من بنى قينقاع ، فقال : يا محمد ، أحسن في موالى .
وكانوا حلفاء الخزرج ، فأبطأ عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا محمد ، أحسن في موالى . قال : فأعرض عنه . قال : فأدخل يده في جيب درع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) : أرسلنى ، وغضب حتى ظهر ذلك في وجهه ، ثم قال : ويحك أرسلنى ؛ قال : لا والله

الصفحة 51