كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 55 """"""
واحدة ، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال ، وجهدت الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا ؛ فقال كعب : أنا أبن الأشرف ، والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول ؛ فقال له سلكان : إنا نريد التنحى منه ، ومعى رجال من قومى على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم ، فنبتاع منك طعاما وتمرا ، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة ووفاء ؛ فقال أترهنونى نساءكم ؟ قال : كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم ؛ فقال : أترهنونى أبناءكم ؟ قال : لقد أردت أن تفضحنا وأن يعير أبناؤنا ؛ فيقال : هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين ، ولكنا نرهنك سلاحنا وقد علمت حاجتنا إلى السلاح ؛ فقال : نعم إن في الحلقة لوفاء ، وإنما أراد سلكان ألا ينكر السلاح إذا جاءوا بها ، ثم رجع سلكان إلى أصحابه ، وأخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ففعلوا . ومشى معهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بقيع الغرقد ، ثم وجههم وقال : انطلقوا على أسم الله ، اللهم أعنهم . ورجع ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بيته ، وتوجهوا ، وكانت ليلة مقمرة ، حتى أنتهوا إلى حصنه ، فهتف به أبو نائلة ، وكان أبن الأشرف حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفته ، فأخذت أمرأته بناحيتها وقالت : إنك آمرؤ محارب ، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة ؛ قال : إنه أبو نائلة ، لو وجدنى نائما ما أيقظنى ؛ فقالت : والله إنى لأعرف في صوته الشر ، فقال لها : لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب .
وفي حديث البخارى من رواية سفيان عن عمر عن جابر بن عبد الله قالت : أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم ؛ فقال : إنما هو أخى محمد بن مسلمة ، ورضيعى أبو نائلة ، إن الكريم لو دعى إلى طعنة بليل لأجاب ؛ قالوا : ونزل إليهم فتحدثوا معه ساعة ثم قالوا : هل لك يآبن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا . فقال : إن شئتم . فخرجوا يتماشون ، ساعة ، ثم وضع أبو نائلة يده

الصفحة 55