كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 58 """"""
وآستخلف على المدينة عثمان بن عفان - رضى الله عنه - فأصابوا رجلا منهم بذى القصة يقال له جبار من بنى ثعلبة ، فأدخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره من خبرهم وقال : لن يلاقوك ، لو سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال ، وأنا سائر معك . فدعاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإسلام ، فأسلم وضمه إلى بلال ، ولم يلاق ( صلى الله عليه وسلم ) أحدا .
قال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد البيهقى ، رحمه الله : وهربت منه الأعراب فوق ذروة من الجبال ، ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذا امر وعسكر به فأصابهم مطر كثير ، فذهب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحاجته ، فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه ، وقد جعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وادى ذى أمر بينه وبين أصحابه ، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف ، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها ، ولأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ فقالت الأعراب لدعثور ، وكان سيدها وأشجعها : قد آنفرد من أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله ؛ فاختار سيفا من سيوفهم صارما ، ثم أقبل مشتملا على السيف حتى قام على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد ، من يمنعك منى اليوم ؟ قال : الله . ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقام على رأسه ، فقال : من يمنعك منى ؟ قال : لاأحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لا أكثر عليك جمعا أبدا ، فأعطاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سيفه ، ثم أدبر ، ثم أقبل بوجهه ثم قال : والله لأنت خير منى . قال رسول الله عليه وسلم : وأنا أحق بذلك منك . فأتى قومه ، فقالوا : أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك ؟ قال : قد كان والله ذلك رأيى ، ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل فدفع في صدرى فوقعت لظهرى ، فعرفت أنه ملك ، وشهدت أن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه ؛ وجعل يدعو قومه إلى الإسلام ونزلت هذه الآية : " يأيها الذين آمنوا آذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم الآية " .
ثم أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، وكانت غيبته إحدى عشرة ليلة .
ذكر غزوة بنى سليم ببحران
غزاها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لست خلون من جمادة الأولى على رأس سبعة وعشرين

الصفحة 58