كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)

"""""" صفحة رقم 69 """"""
المسلمون فصاروا يقتتلون على غير شعار ، ويضرب بعضهم بعضا ، ما يشعرون به من العجلة والدهش ، وقتل مصعب ابن عمير ، فأخذ اللواء ملك في صورة مصعب ، وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل ، ونادى المشركون بشعارهم : يا للعزى يا لهبل . فقتل من أكرمه الله بالشهادة من المسلمين ، حتى خلص العدو إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وثبت ( صلى الله عليه وسلم ) معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلا ، سبعة من المهاجرين ، فيهم أبو بكر الصديق ، رضى الله عنه ، وسبعة من الأنصار . ورمى رسول الله عليه وسلم عن قوسه حتى اندقت سيتها ، فأخذها قتاة بن النعمان فكانت عنده ، ثم ذب بالحجارة . وكسرت يومئذ رباعيته ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكلمت شفته ، وشج في وجهه ، وجرح في وجنته ، وكسرت البيضة على رأسه ، فسال الدم على وجهه ، فجعل يمسحه ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل الله تعالى في ذلك : ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم ، أو يعذبهم فإنهم ظالمون .
وروى أبو محمد عبد الملك بن هشام بسنده إلى أبى سعيد الجدرى : أن عتبة بن أبى وقاص رمى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ ، فكسر رباعيته اليمنى السفلى ، وجرح شفته السفلى ، وأن عبد الله بن شهاب الزهرى شجه في جبهته ، وأن ابن قمئة جرح وجنته ، فدخل حلقتان من حلق المغفرة في وجنته ، ووقع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حفرة من الحفر التى عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون ، فأخذ علي بن أبى طالب بيده ، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ، ومص مالك بن سنان أبو أبى سعيد الخدرى ، الدم من وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ازدرده ، فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : من مس دمه دمى لم تمسه النار .
قال ابن إسحاق بسند يرفعه إلى محمود بن عمرو : لما غشى القوم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : من رجل يشتري لنا نفسه ؟ فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار ، وبعضهم يقول : إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن .
فقاتلوا دون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلا رجلا يقتلون دونه ، حتى كان آخرهم زياد أو عمارة ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة . ثم فاءت فئة المسلمين فأجهضوهم عنه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أدنوه منى . فأدنوه منه ، فوسده قدمه ، فمات ، وخده على قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال : وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يومئذ ، فحدثت وقد سئلت عن خبرها ، فقالت : خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ، ومعى سقاء فيه ماء ، فانتهيت

الصفحة 69