كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
رجع رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - وأصحابه إلى المدينة ، وقد أصابهم ما أصابهم بأحد ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ؟ فأنزل الله تعالى ولقد صدقكم الله وعده أي الذي وعد بالنصر والظفر ، وهو قوله تعالى : بلى إن تصبروا وتتقوا الآية ، وقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للرماة : لا تبرحوا مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وقوله تعالى : إذ تحسونهم بإذنه أي تقتلونهم قتلا ذريعا شديدا ، وذلك عند هزيمتهم كما تقدم . قوله : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم فشلتم : أي جبنتم وضعفتم وتنازعتم أي اختلفتم . وهو ما وقع بين الرماة ، ونزول أكثرهم لتحصيل الغنيمة كما تقدم ، فكانت الهزيمة بسبب ذلك . قوله : من بعد ما أراكم ما تحبون وهو الظفر والغنيمة . قوله : منكم من يريد الدنيا يعنى الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب ومنكم من يريد الآخرة يعنى الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير أمير الرماة حتى قتلوا . قوله : ثم صرفكم عنهم أي ردكم عنهم بالهزيمة ليبتليكم ولقد عفا عنكم أي فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة والله ذو فضل على المؤمنين .
قوله تعالى : إذ تصعدون يعنى ولقد عفا عنكم إذ تصعدون هاربين ولا تلوون على أحد . ثم رجع إلى الخطاب ، فقال : " والرسول يدعوكم في أخراكم " قال يقال : أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره ، والإصعاد : السير في مستوى الأرض وبطون الأودية والشعاب ، والصعود : الارتفاع على الجبال وغيرها . وقال المبرد : أصعد إذا أبعد في الذهاب .
قال الشاعر :
ألا أيهذا السائلى أين أصعدت . . . فإن لها في أهل يثرب موعدا
وقال الفراء : الإصعاد الابتداء في كل سفر ، ولانحدار الرجوع منه . وقوله : ولا تلوون على أحد يعنى ولا تعرجون ولا تقيمون على أحد منكم ، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا وفرارا ، قال الكلبى : على أحد يعنى محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) .
والرسول يدعوكم في أخراكم يعنى في آخركم ومن ورائكم : إلى عباد الله ، إلى عباد الله ، فأنا رسول الله ، من يكر فله الجنة . فأثابكم أي فجازكم ؛ جعل الإثابة بمعنى العقاب ، كقوله : فبشروا بعذاب أليم ؛ معنى الآية : أي جعل مكان الثواب الذي كنتم ترجون غما بغم قال الحسن : يعنى بغم المشركين يوم بدر . وقال