كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
الفعل لانفضوا من حولك أي لتفرقوا عنك ، وأصل الفض الكسر ، ومنا قولهم : لا يفضض الله فاك . قال أهل الإشارة في هذه الآية : منه العطاء ومنه الثناء . فاعطف عنهم أي عما أتوا يوم أحد وأستغفر لهم حتى أشفعك فيهم وشاورهم في الأمر أي استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم ، وهو مأخوذ من قول العرب : شرت الدابة وشورتها إذا استخرجت جريها ، وعلمت خبرها ، قال : ومعنى الآية وشاورهم فيما ليس عندك فيه من الله عهد ، ويذل عليه قراءة ابن عباس وشاورهم في بعض الأمر . قال الكلبى : يعنى فأظهرهم في لقاء العدو ، ومكايدة الحرب عند الغزوة . روى عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله : وشاورهم في الأمر قال أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ، وقال مقاتل وقتادة والربيع : كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم ، فأمر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يشاورهم في الأمر ، فإن ذلك أعطف لهم عليه ، وأذهب لأضغانهم ، وأطيب لأنفسهم ، فإذا شاورهم عليه السلام عرفوا إكرامه لهم . قال : " فإذا عزمت فتوكل على الله " أي لا على مشاروتهم . وقرأ جعفر الصادق ، وجابر ابن زيد ، فإذا عزمت بضم التاء ، أي عزمت لك ووفقتك وأرشدتك فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين .
قوله تعالى : إن ينصركم الله أي يعنكم ويمنعكم من عدوكم فلا غالب لكم مثل يوم بدر وإن يخذلكم أي يترككم ولا ينصركم ، والخذلان القعود عن النصر ، والإسلام للهلكة والمكروه ، قال : وقرأ عبيد بن عمير وإن يخذلكم بضم الياء وكسر الذال ، أي يجعلكم مخذولين ، ويحملكم على الخذلان والتخاذل ، كما فعلتم بأحد فمن ذا الذي ينصركم من بعده أي من بعد خذلانه وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
قوله تعالى : أولما أصابتكم مصيبة أي بأحد قد أصبتم مثلها ببدر ، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين رجلا ، وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين ، وأسروا سبعين قتلتم أنى هذا أي من أين لنا هذا القتل والهزيمة ، ونحن مسلمون ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فينا ، والوحى ينزل عليه ، وهم مشركون ؟ وقد تقدم في قصة أسارى بدر خبر التخيير قتلهم أو مفاداتهم ، ويقتل منهم مثلهم في العام القابل ، واختبارهم الفداء ، وذلك قوله : قل هو من عند أنفسكم أي بأخذكم الفداء واختياركم