كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 17)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
فرموه بالحجارة حتى قتلوه ؛ فقبر هناك . وأما خبيب بن عدى وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة ، فأياعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة ، فابتاع خبيبا حجر بن أبى إهاب التميمي ، حليف بنى نوفل ، لعقبة بن الحارث ابن عامر بن نوفل ليقتله بأبيه . وابتاع زيد بن الدثنة صفوان بن أمية ، ليقتله بأبيه أمية بن خلف ، وبعثه مع مولى له يقال له : نسطاس ؛ إلى التنعيم ، فأخرجوه من الحرم ليقتله ، واجتمع لذلك رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب ، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأنى جالس في أهلى . فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ؛ ثم قتله نسطاس .
وأما خبيب بن عدى فروى عن ماوية مولاة حجر بن أبى إهاب ، وكانت قد أسلمت ، قالت : كان خبيب قد حبس في بيتى ، فلقد اطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل ، قالت : وقال لي حين حضره القتل : ابعثى إلى بحديدة أتطهر بها للقتل ؛ فأعطيت غلاما من الحى الموسى ، فقلت له : ادخل بها على هذا الرجل ؛ قالت : فو الله ما هو إلا أن قد ولى الغلام بها إليه ؛ فقلت : ما صنعت أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل ؛ فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال : لعمرك ، ما خافت أمك غدرتى حتى بعثتك بهذه الحديدة ثم خلى سبيله .
ويقال : إن الغلام ابنها .
قال ابن إسحاق : ثم خرجوا بحبيب ، حتى إذا جاءوا به التنعيم ليصلبوه قال : إن رأيتم أن تدعونى حتى أركع ركعتين فافعلوا . قالوا : دونك فاركع ركعتين . فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال : أما والله لولا أن تظنوا أنى إنما طولت جزعا من القتل لا ستكثرت من الصلاة . فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين . قال : ثم رفعوه على خشبته ، فلما آوثقوه ، قال : اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا ؛ ثم قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا . ثم قتلوه ، رحمة الله ورضى عنه .