كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
فصنع مثل ذلك ، ثم أرسلته على بقرة ، ثم على خشف ، كل ذلك لا يأتي بخير ، فقلت :
ألا ما بحياضٍ يحيد كأنما . . . رأى الصيد ممنوعاً بزرق اللهاذم
قال : فأجابني هاتف لا أراه :
يجيد لأمرٍ لو بدا لك عينه . . . لكنت صفوحاً عاذلاً غير لائم
قال : فأخذت الكالب وانكفأت راجعاً ، فإذا شخص إنسانٍ عظيم الخلق ، قد ركب حمارا وحشيا ، فتربع على ظهره ، وهو يساير شخصاً مثله راكباً على قرهب ، وخلفهما عبد أسود يقود كلباً عظيما بساجورٍ ، فأشار أحد الراكبين إلى حياض وأنشد :
ويلك يا حياض لم تصيد . . . اخنس وحد عما حوته البيد
الله أعلى وله التوحيد . . . وعبده محمد السديد
سحقاً لفراضٍ وما يكيد . . . قد ظل لا يبدى ولا يعيد
قال : فملئت رعباً ، وذل الكلب فما يرفع رأسا ، وأتيت أهلي مغموماً كاسف البال ، فبت أتململ على فراشي ، ثم خفت من آخر الليل فإذا نغمة ، ففتحت عيني فرأيت الكلب الذي كان الأسود يقوده ، وإذا حياض يقول له : أحسب صاحبي يقظان ، قال : فتناومت ، ثم قصدني فتأملني ورجع إليه ، فقال : قد نام ، فلا عينٌ ولا سمعٌ ، قال : أرأيت العفريتين ؟ وسمعت ما قالا ، قال حياض : نعم ، قال : إنهما قد أسلما واتبعا محمدا ، وقد سلطا على شياطين الأوثان ، فما يتركان لوثن شيطانا . وقد عذباني عذاباً شديداً ، وأخذا علي موثقا ألا أقرب وثنى ، وأنا خارج إلى جزائر الهند ، فما رأيك لنفسك ؟ قال حياض : ما أمرنا إلا واحد ، وذهبا ، فقمت أنظر فلا عين ولا أثر ، فلما أصبحت أخبرت قومي بما رأيت وسمعت ، وقلت لهم : تخيروا من ينطلق معي إلى هذا النبي من حلمائكم وخطبائكم ؛ فقالوا لي : أترغب عن دين آبائك ؟ فقلنت لهم : إذا كرهتم شيئاً كرهته ، فما أنا إلا واحد منكم ، ثم انسللت منهم فكسرت