كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
وقد ورد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة قتله شرحبيل بن عمرو الغساني ، وبسبب قتله بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سرية مؤتة على ما قدمنا ذكره .
ولعل الشيخ رحمه الله ، إنما أثبت من الرسل من بلغ الرسالة ، وهذا لم يهمل حتى يبلغها ، ولم يقتل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رسولٌ غيره . وقد ورد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث غير هؤلاء ، ممن نذكرهم إن شاء الله تعالى .
فكان أول ما بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الرسل في المحرم ، سنة سبع من مهاجره ؛ أرسل ستةً من هؤلاء الرسل إلى ستة ملوك ، وذلك أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة خمس جهز الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام ، وكتب إليهم كتباً ، فقيل له : يا رسول الله ، إن الملوك لا يقرءون كتابا إلا مختوما ، فاتخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ خاتما من فضة فصة منه ، نقشه ثلاثة أسطر : " محمد " سطر " رسول " سطر " الله " سطر .
وختم به الكتب ، فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع ، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذي بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم ، حكاه محمد بن سعد في طبقاته بسنده . وقال أبو عبد الله بن محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابا فيه ذكر من بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى البلدان ، وملوك العرب والعجم ، وما قال لأصحابه حين بعثهم ، قال : فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري ، فعرفه ، وفيه : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج على أصحابه فقال لهم : " إن الله بعثني رحمةً وكافةً ، فأدوا عني يرحمكم الله ، ولا تختلفوا علىّ كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم " قالوا : يا رسول الله ، وكيف كان اختلافهم ؟ قال : " دعاهم لمثل ما دعوتكم له ، فأما من قرب به فأحب وسلم ، وأما من بعد به فكره وأبى ، فشكا ذلك عيسى منهم إلى الله ، فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم " .
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام : حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي ، قال بلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج على أصحابه . وساق نحو الحديث .