كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 108 """"""
عليه ودفعه إلى جاريته ، وكتب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : قد علمت أن نبياً قد بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط العظيم ، وقد أهديت لك كسوة وبغلة تركبها .
ولم يزد على هذا ، ولم يسلم المقوقس ، فقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هديّته ، وأخذ الجاريتين ، وهما مارية أم إبراهيم بن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأختها شيرين ، وبغلة بيضاء ، لم يكن في العرب يومئذ غيرها ، وهي دلدل ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في المقوقس " ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه " . قال حاطب : كان المقوقس مكرماً لي في الضيافة وقلة اللبث ببابه ، وما أقمت عنده إلا خمسة أيام .
وقال أبو عمر بن عبد البر : إن المقوقس أهدى لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خصيّا اسمه مأبور ، وذكر لك في ترجمة مارية ، ويقال : هو ابن عم مارية ، والله أعلم .
وقد ذكرنا في الحجة البالغة ، والأجوبة الدامغة ، ما كان بينهما من المحاورات ، وذلك في الباب الرابع عشر ، من القسم الخامس ، من الفن الثاني ، في السفر الثامن من هذه النسخة .
ذكر إرسال شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر
قالوا : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شجاع بن وهب الأسدي ، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، ملك البلقاء من أرض الشام ، يدعوه إلى الإسلام ، وكتب معه كتاباً ، قال شجاع : فأتيته وهو بغوطة دمشق ، وهو مشغول بتهيئة الأنزال والألطاف لقيصر ، وهو جاءٍ من حمص إلى إيلياء ، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة ، فقلت لحاجبه : إني رسول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليه ، فقال : لا تصل غليه حتى يخرج يوم كذا وكذا . وجعل حاجبه - وكان روميّا اسمه مرى - يسألني عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فكنت أحدثه عن صفته ، وما يدعو إليه فيرقّ حتى يغلبه البكاء ، ويقول : إني قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي بعينه ، فأنا أومن به وأصدقه ، وأخاف من الحارث أن يقتلني ، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي ، وخرج الحارث يوماً فجلس ، ووضع التاج على رأسه ، فأذن لي عليه ، فدفعت إليه كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقرأه ثم رمى به ، وقال : من ينتزع مني ملكي ؟ أنا سائر إليه ،

الصفحة 108