كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 11 """"""
والقارح ، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزّكاة ، لهم بذلك عهد الله وذمام رسول الله عليه السلام ، وشاهدهم المهاجرون والأنصار " .
ذكر وفادة الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ وإسلامه
قال محمد بن إسحاق رحمه الله تعالى : كان الطّفيل بن عمرو الدّوسي يحدّث أنه قدم مكّة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بها ، فمشى إليه رجالٌ من قريش - وكان الطّفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا - فقالوا له : يا طفيل إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذى بين أظهرنا قد أعضل بنا ، قد فرّق بين جماعتنا ، وشتّت أمرنا ، وإنما قوله كالسّحر يفرّق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ، ولا تسمعن منه شيئا . قال الطّفيل : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ألاّ أسمع منه شيئا ولا أكلّمه ، حتى حشوت فى أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شىء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائمٌ يصلّي عند الكعبة ، فقمت منه قريبا ، فأبى الله إلاّ أن يسمعني بعض قوله ، فسمعت كلاما حسنا ، فقلت في نفسي : واثكل أمّي ؛ والله إنّي لرجلٌ لبيبٌ شاعر ، وما يخفي عليّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ، قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بيته ، فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : يا محمد إنّ قومك قد قالوا لى كذا وكذا - للذى قالوا - فوالله ما برحوا يخوّفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف ألا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، فسمعت قولا حسنا ، فاعرض عليّ أمرك . قال : فعرض عليّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الإسلام ، وتلى عليّ القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قطّ أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه ، فأسلمت ، وشهدت شهادة الحقّ ، فقلت : يا نبيّ الله إني امرؤ مطاعٌ في قومي ، وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه . فقال : " اللهم إجعل له آية " ، فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنيّة تطلعني على الحاضر وقع نورٌ

الصفحة 11