كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
بين عيني مثل المصباح ؛ قلت : اللهم في غير وجهي إنّي أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم ، قال : فتحوّل النّور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النّور في سوطي كالقنديل المعلّق ، وأنا أهبط إليهم من الثّنية حتى جئتهم ، فأصبحت فيهم ، قال : فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا ، فقلت : إليك عنّي يا أبت ، فلست منك ولست منّي ، قال : لم يا بنيّ ؟ قلت : أسلمت وتابعت دين محمد ، قال : أي بنيّ فديني دينك ، قلت : فاذهب واغتسل ، وطهّر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلّمك مما علّمت ، فذهب فاغتسل وطهّر ثيابه ثم جاء ، فعرضت عليه الإسلام فأسلم ، ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عنّي فلست منك ولست منّي ، قالت : لما ؟ بأبي أنت وأمّي قلت : فرّق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد عليه السلام . قالت : فديني دينك ، قلت : فاذهبي إلى حنا ذي الشّرى - قال ابن هشام : ويقال حمى ذي الشّرى - فتطهّري منه .
قال : وكان ذو الشّرى صنما لدوس ، وكان الحنا حمىً حموه له ، وبه وشلٌ من ماء يهبط من جبل ، قال فقالت : بأبي أنت وأمّي ، أتخشى على الصّبيّة من ذي الشّرى شيئا ؟ قلت : لا ، أنا ضامن لك ، قال : فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت ، فعرضت عليها الإسلام فأسلمت ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا عليّ ، ثم جئت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة ، فقلت له : يا نبيّ الله إنّه قد غلبني على دوسٍ الزّنى ، فادع الله عليهم ، فقال : " اللّهمّ اهد دوسا ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم " ، قال : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة ، ثم أسلموا بعد ذلك ، و وفدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما نذكر ذلك - إن شاء الله تعالى - فيمن وفد بعد الهجرة .
ذكر وفد نصارى الحبشة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإسلامهم
قال محمد بن إسحاق : قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبٌ من ذلك من النّصارى حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلّموه ، وسألوه - ورجالٌ من قريش في أنديتهم حول الكعبة - فلما