كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 139 """"""
مازن بن النجار ، وترجع به إلى أمه ، وأعطى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أم بردة قطعة من نخل ، فناقلت بها إلى مال عبد الله بن زمعة . وتوفي إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة عشر ، وقد بلغ ستة عشر شهراً ؛ مات في بني مازنٍ عند ظئره أم بردة ، وهي خولة بنت المنذر بن لبيد ، وغسلته ودفن بالبقيع . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي " . وقال أيضاً : " لو عاش إبراهيم ما رق له خالٌ " . وفي حديث أنس بن مالك تصريح أن إبراهيم إنما مات عند ظئره أم سيف ؛ فإنه يقول : فانطلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وانطلقت معه ، فصادفنا أبا سيف ينفخ في كيره ، وقد امتلأ البيت دخاناً ، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت : يا أبا سيف ، أمسك ، جاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأمسك ، فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصبي فضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول ، قال : فلقد رأيته يكيد بنفسه ، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " وقال أبو عمر بن عبد البر : ثبت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكى على ابنه إبراهيم من غير رفع صوت ، وقال : " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " . وعن عطاء ، عن جابر قال : أخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بيد عبد الرحمن بن عوف ، فأتى به النخل ، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه وهو يجود بنفسه ، فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوضعه في حجره ، ثم قال : " يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئاً " ؛ ثم ذرفت عيناه ، ثم قال : " يا إبراهيم لولا أنه أمرٌ حقٌ ووعد صدقٌ ، وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب " . قالوا : ووافق موت إبراهيم كسوف الشمس ، فقال قوم : إن الشمس انكسفت لموته ، فخطبهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ؛ فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة " . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) حين توفي إبراهيم : " إن له مرضعاً في الجنة تتم رضاعه " . وصلى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكبّر أربعاً ، قال ابن عبد البر : هذا قول جمهور العلماء ، وهو الصحيح ، قال : وقد قيل إن الفضل بن عباس غسل إبراهيم ، ونزل في قبره مع أسامة بن زيد ،

الصفحة 139