كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
روى عنه عليه السلام أنه كان أحب الطعام إليه ما كان على ضعف ؛ أي كثرة الأيدي . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : : لم يمتلئ جوف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شبعا قط ، وإنه كان في أهله ولا يسألهم طعاما ولا يتشهاه ، إن أطعموه أكل ، وما أطعموه قبل ، وما سسقوه شرب . قال أهل العلم : ولا يعترض على هذا بحديث بريرة ، وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ألم أر البرمة فيها لحم " ؟ إذ لعل سبب سؤاله ظنه اعتقادهم أنه لا يحل له ، فأراد بيان سننه ، إذ رآهم لم يقدموا إليه مع علمه أنهم لا يستأثرون به عليه ، فصدق عليهم ظنه ، وبين لهم ما جهلوه من أمره ، بقوله : " هو لها صدقة ولنا هدية " . وكان جلوسه ( صلى الله عليه وسلم ) للأكل جلوس المستوفز ، معيقا ، وزيقول : " إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد " . وفي حديث صحيح قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أما أنا فلا آكل متكئا " وليس معنى الأتكاء عند المحققين الميل على شق ، وإنما الإتكاء هو التمكن للأكل ، والتقعدد في الجلوس ، كالمتربع وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتد فيها الجالس على ما تحته ، والجالس على هذه الهيئة يستدعى الأكل ويستكثر منه ، وكان ( صلى الله عليه وسلم ) بخلاف ذلك . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رفع الطعام من بين يديه قال : " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا مسلمين " . وفي رواية يقول : " الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه غير مودع ولا مستغنىً عنه ربنا " . وكن لا يأكل على خوان ، ولا يمتنع من مباح ، ولا يتأنق في مأكل ، يأكل ما وجد ، إن وجد تمرا أكله ، أو خبزا أكله أو شواء أكله ، وإن وجد لبنا أكتفى به ، ولم يأكل خبزاً مرققا ، وأكل ( صلى الله عليه وسلم ) الخبز بالخل وقال : " نعم الإدام الخل " وأكل لحم الدجاج ولحم الحبارى .
وكان يحبب الدباء ويأكله ، ويعجبه الذارع من الشاة ، وقال : " إن أطيب اللحم لحم الظهر " وقال : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن ، وأكل ( صلى الله عليه وسلم ) خبز الشعير بالتمر ، وقال : " هذا أدم هذا " وأكل البطيخ بالرطب والقثاء بالرطب والتمر بالزبد ، وكان يحب الحلواء والعسل ، وكان يشرب قاعدا ، وربما شرب قائما ، ويتنفس ثلاثا وإذا فضلت منه فضله وأراد أن يسقيها بدأ بمن عن يمينه ، وشرب ( صلى الله عليه وسلم ) لبنا ،