كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 167 """"""
وأما النكاح وما يتعلق به
فهو مما يكثر التمدح بكثرته وذلك ، لأنه دليل الكمال وصحة الذكورية ، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة ، والتمادح به سيرة ماضية وسنة مأثورة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أفضل هذه الأمة أكثرها نساء . مشيرا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " تناكحوا فإني مباهٍ فيكم الأمم " وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ممن أقدره الله تعالى على ذلك وحببه له ، فكان ( صلى الله عليه وسلم ) يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار ، وهن إحدى عشرة ، رواه أنس ، قال : وكنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين ، خرجه النسائي . وعن طاوس : أعطى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قوة أربعين رجلا في الجماع ، ومثله عن صفوان بن سليم . وقالت سلمى مولاته : طاف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة على نسائه التسع ، ويطهر من كل واحدة قبل أن أتى الأخرى . وقال : " هذا أطهر وأطيب " .
وأما خلقه ( صلى الله عليه وسلم )
فقد قال الله عز وجل فيه مخاطبا له ( صلى الله عليه وسلم ) : " وإنك لعلى خلقٍ عظيم " قالت عائشة رضي الله عنها : كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه ، وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " بعثت لأتتم مكارم الأخلاق " قال علي وأنس رضي الله عنهما : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحسن الناس خلقا . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) - فيما ذكره المحققون - مجبولا على ذلك في أصل خلقته وأول فطرته ، لم يحصل له ذلك بإكتساب ولا رياضة ، إلا بجود إلهي وخصوصية ربانية ، ومن طالع سيرته منذ صباه وإلى آخر عمره ، حقق ذلك وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه .
وأما حلمه واحتماله وعفوه
مع القدرة ، والصبر على ما يكره ، فقد جعلوا بين هذه الألقاب فرقا ، فقالوا : الحلم حالة توقير وثبات عند الأسباب المحركات ، والاحتمال حبس النفس عند الآلام والمؤذيات ، ومثله الصبر ، ومعانيها متقاربة ، وأما العفو فهو ترك المؤاخذة ، وهذا كله مما أدب الله تعالى به نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عن تأويلها فقال له : حتى أسأل العالم ، ثم ذهب فأتاه فقال : " يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك " . وقال تعالى مخاطبا له ( صلى الله عليه وسلم ) : " واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " وقال : " فاصبر كما صبر

الصفحة 167