كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
درهم . فإن فضل ولم يجد من يعطيه وفجئه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه ، لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت أهله عاما فقط ، من أيسر ما يجد من التّمر والشّعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله ، ثم يؤثر من قوت أهله حتى يحتاج قبل انقضاء العام ؛ ( صلى الله عليه وسلم ) تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
وأما شجاعته ونجدته ( صلى الله عليه وسلم )
فقد قالوا : الشجاعة فضيلة قوة الغضب ، وانقيادها للعقل ، والنّجدة : ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف ؛ فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهما بالمكان الذي لا يجهل ، قد شهد المواقف الصعبة ، وفرّ الكماة والأبطال عنه ، وهو ثابت لا يبرح ، ومقبل لا يدبر ، وقد قدّمنا من أخباره وثباته وحملاته في يومي أحد وحنين ما تقف عليه هناك . وقد روينا بإسناد متّصل عن البراء ، وقد سأله رجل : أفررتم يوم حنين عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ قال : لكن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يفرّ ، ثم قال : لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : " أنا النبي لا أكذب " وزاد غيره " أنا ابن عبد المطلب " قيل : فمارئ يومئذ أحدٌ كان أشد منه . وقال غيره : نزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن بغلته . وذكر مسلم عن العباس قال : فلما التقى المسلمون والكفار ولّى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفّها إرادة ألا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه ، ثم نادى ياللمسلمين . الحديث . وقال ابن عمر : ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنا كما إذا حمي البأس - ويروى اشتدّ البأس - واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا . وقيل : كان الشجاع الذي يقرب منه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دنا العدو لقربه منه .
وعن أنس قال : كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ؛ لقد فزع أهل المدينة ليلةً فتانطلق ناسٌ قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) راجعاً قد سبقهم إلى الصوت واستبراء الخبر ، على فرس لأبي طلحة عرى ، والسيف في عنقه ، وهو يقول : " لن تراعوا " . وقال عمران ابن حصين : ما لقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كتيبة إلا كان أول من يضرب .