كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 171 """"""
وأما حياؤه وإغضاؤه ( صلى الله عليه وسلم )
والحياء : رقّة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقّع كراهته أو ما يكون تركه خيرا من فعله . والإغضاء : التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أشد الناس حياء ، وأكثرهم عن العورات إغضاء ، وقد أخبر الله تعالى بحيائه فقال : " إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم " وعن أبي سعيد الخدري : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) لا يشافه أحداً بما يكره حياءً وكرم نفس . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا بلغه عن احدٍ ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول كذا ، ولكن يقول : " ما بال أقوام يصنعون - أو يقولون - كذا " ينهى عنه ولا يسمي فاعله .
وروى أنس رضي الله عنه أنه يدخل عليه رجل به أثر صفرة ، فلم يقل له شيئا - وكان لا يواجه أحدا بما يكره - فلما خرج قال : " لو قلتم له يغسل هذا " ويروى " ينزعها " . وروي عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد ، وأنه كان يكنى عما اضطره الكلام إليه مما يكره ، ( صلى الله عليه وسلم ) .
وأما حسن عشرته وأدبه وبسط خلقه ( صلى الله عليه وسلم )
فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أكرم الناس عشرة ، وأكثرهم أدبا ، وأبسطهم خلقا مع أصناف الخلق ، انتشرت بذالك الأخبار الصحيحة ، منها ما رويناه بسند متصل عن قيس بن سعد قال : زارنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر قصة في آخرها ، فلما أراد الانصراف قرب له سعدٌ حمارا ووطّأ عليه بقطيفة ، فركب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال سعد : يا قيس ، اصحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال قيس : فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " اركب " فأبيت ، فقال : " إما أن تركب وأما أن تنصرف " فانصرفت ، وفي رواية أخرى : " اركب أمامي فصاحب الدابة أولى بمقدّمها " . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) لا يدع أحدا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله ، فإن أبى قال : " تقدمني إلى المكان الذي تريد " وركب ( صلى الله عليه وسلم ) حمارا عرياً إلى قباء ، وأبو هريرة معه ، فقال : " يا أبا هريرة أحملك " ؟ فقال : ما شئت يا رسول الله ، فقال : " اركب " وكان في أبي هريرة ثقلٌ ، فوثب ليركب فلم يقدر ، فاستمسك برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوقعا جميعا ، ثم ركب ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : " يا أبا هريرة أحملك " ؟ فقال : ما شئت يا رسول الله ، فقال : " اركب " فلم يقدر على ذلك ، فتعلق برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوقعا جميعا ، ثم قال : " يا أبا هريرة أحملك " ؟ فقال : لا ، والذي بعثك بالحق لاصرعتك

الصفحة 171