كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 173 """"""
ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بنهي أو قيام ، ويروى : بانتهاء أو قيام ، ويروى : أنه كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفّف صلاته وسأله عن حاجته ، فإذا فرغ عاد ، إلى صلاته ، وكان أكثر الناس تبسّماً ، وأطيبهم نفساً ، ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب .
وأما شفقته ورأفته ورحمته ( صلى الله عليه وسلم ) لجميع الخلق
فقد أخبر الله تعالى بذلك ووصفه بهذه الأوصاف ؛ فقال تعالى : " لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ " وقال تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين " فكان من شفقته على أمته ( صلى الله عليه وسلم ) تخفيفه وتسهيله عليهم ، وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم ؛ كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسّواك مع كل وضوء " وخبر صلاة الليل ، ونهيهم عن الوصال ، وكراهيته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته ، ورغبته لربه أن يجعل سبّه ولعنه لهم رحمة ، وأنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوّز في صلاته . ومن شفقته ( صلى الله عليه وسلم ) أن دعا ربه وعاهده فقال : " أيّما رجلٍ سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وصلاة وطهورا وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة " . ومن ذلك أنه لما كذّبه قومه أتاه جبريل عليه السلام فقال له : إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك ، وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداه ملك الجبال وسلم عليه ، فقال : مرني بما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً " . وروى ابن المنكدر : أن جبريل عليه السلام قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن الله أمر السماء والأرض والجبال أن تطيعك ، فقال : " أؤخر عن أمتي لعل الله يتوب عليهم " . ومن ذلك ما روى أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " لا يبلغني أحدٌ منكم عن أحد من أصحابي شيئاً ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر " . وقال ابن مسعود : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتخوّلنا بالموعظة مخافة السّآمة علينا ، ( صلى الله عليه وسلم ) تسليما كثيرا .

الصفحة 173