كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 174 """"""
وأما وفاؤه وحسن عهده وصلته للرحم ( صلى الله عليه وسلم )
فكان ( صلى الله عليه وسلم ) قد بلغ من ذلك الغاية التي لا يدرك شأوها ، ولا يبلغ مداها ، ولا يطمع طامع سواه بالاتصاف بها ، جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة ، من ذلك ما رويناه بإسناد متصل عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : بايعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ببيع قبل أن يبعث ، وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ، ثم ذكرت بعد ثلاث ، فجئت فإذا هو في مكانه ، فقال : " يا فتى لقد شققت عليّ أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك " . وعن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أتي بهدية قال : " اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة ، إنها كانت تحبّ خديجة " . وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ؛ لما كنت أسمعه يذكرها ، وإن كان ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها ، واستأذنت عليه أختها فارتاح إليها ، ودخلت عليه امرأة فهش لها ، وأحسن السؤال عنها ، فلما خرجت قال : " إنها كانت تأتينا أيام خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان " . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء غير أن لهم رحما سأبلها ببلالها " . وعن أبي قتادة قال : وفد وفدٌ للنجاشي ، فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخدمهم ، فقال له أصحابه : نكفيك ، فقال : " إنهم لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن أكافئهم " . ولما جيء بالشيماء أخته من الرضاعة في سبايا هوزان وتعرفت له ، بسط لها رداءه ، وقال لها : " إن أحببت أقمت عندي مكرمة محبة أو متعتك ورجعت إلى قومك " فاختارت قومها فمتعها . وقال أبو الطفيل : رأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا غلامٌ ، إذ أقبلت امرأةٌ حتى دنت منه ، فبسط لها رداءه فجلست عليه ، فقلت من هذه ؟ قالوا : أمه التي أرضعته . وعن عمرو بن السائب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة ، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأجلسه بين يديه . وكان يبعث إلى ثوبيه مولاة أبي لهب مرضعته بصلة وكسوة ، فلما ماتت سأل من بقي من قرابتها فقيل : لا أحد . وفي حديث خديجة رضي الله عنها أنها قالت له ( صلى الله عليه وسلم ) في ابتداء النبوة : أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .

الصفحة 174