كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
وأما عدله وأمانته وعفته وصدق لهجته ( صلى الله عليه وسلم )
فكان ( صلى الله عليه وسلم ) أعدل الناس ، وآمن الناس ، وأعف الناس ، وأصدق الناس لهجة منذ كان ، وكان يسمى قبل نبوته الأمين ، وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) : " والله إني لأمينٌ في السماء أمينٌ في الأرض " وقد صدقه عداه في مواطن كثيرة تقدم ذكرها وقد قدمنا قوله ( صلى الله عليه وسلم ) للرجل : " ويحك إن لم أعدل فمن يعدل خبت وخسرت إن لم أعدل " . وقال ابن خالويه : جزأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهاره ثلاثة أجزاء : جزءاً لله ، وجزءاً لأهله ، وجزءاً لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس ، فكان يستعين بالخاصة على العامة ، ويقول : " أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع أمّنه الله يوم الفزع الأكبر " . وعن الحسن قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " لا يأخذ أحدًا بقرف أحدٍ ولا يصدّق أحداً على أحد " ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولم تمس يده امرأة قطّ لا يملك رقّها أو نكاحها أو تكون ذات محرم " .
وأما وقاره وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه ( صلى الله عليه وسلم )
فقد روينا بإسناد متصل عن خارجة بن زيد قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئاً من أطرافه . وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا جلس في المجلس احتبى بيديه ، وكذلك كان أكثر جلوسه محتبيا . وعن جابر بن سمرة : أنه تربع ، وربما جلس القرفصاء ، وكان كثير السكوت ، لا يتكلم في غير حاجة ، يعرض عمن تكلم بغير جميل ، كان ضحكه تبسماً وكلامه فصلاً لا فضول ولا تقصير ، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيراً له واقتداءً به ، مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير . وفي صفته : يخطو تكفّؤاً ويمشي هوناً كأنما ينحط من صبب . وفي الحديث الآخر : " إذا مشى مشى مجتمعا ، يعرف في مشيته أنه غير غرضٍ ولا وكل ؛ أي غير ضجر ولا