كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 179 """"""
وأما خوفه ربّه ، وطاعته له ، وشدّة عبادته ( صلى الله عليه وسلم )
فكان ذلك على قدر علمه بربه تبارك وتعالى ؛ ولذلك قال فيما رويناه بسند متصل عن سعيد بن المسيّب : إن أبا هريرة كان يقول قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " . ومن رواية عن أبي عيسى الترمذي عن أبي ذرٍّ : " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطّت السماء وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك ساجد لله واضع جبهته ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذّذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله ، لوددت أني شجرة تعضد " . روي هذا الكلام : " وددت أني شجرة تعضد " من قول أبي ذر نفسه وهو أصح . وفي حديث آخر ( صلى الله عليه وسلم ) حتى انتفخت قدماه . وفي رواية : كان يصلي حتى ترم قدماه ، فقيل له أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ، قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " .
وقالت عائشة رضي الله عنها : كان عمل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ديمةً ، وأيكم يطيق ما كان يطيق . وقالت : كان يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) يصوم الاثنين والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر ، ويوم عاشوراء ، وقلّ ما كان يفطر يوم الجمعة ، وأكثر صيامه في شعبان . وقال عوف بن مالك : كنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة فاستاك ثم توضأ ثم قام فصلى فقمت معه ، فبدأ فاستفتح البقرة ، فلا يمر بآية رحمة غلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ، ثم ركع فمكث بقدر قيامه يقول : " سبحان ذي الجبروت والملكوت والعظمة " ثم سجد ، وقال مثل ذلك ، ثم قرأ آل عمران ثم سورة سورة يفعل مثل ذلك ، وعن حذيفة مثله ، وقال : سجد نحوا من قيامه ، وجلس بين السجدتين نحوا منه ، وقال : حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بآية من القرآن ليلة . وعن عبد الله بن الشّخّير قال : أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل . وقال ابن أبي هالة : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة . وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ، وروى سبعين مرة . وعن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال : سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن

الصفحة 179