كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 185 """"""
وزاد الآخر ؛ قلت : كيف كان سكوته ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ قال كان سكوته على أربع ، على الحلم والحذر والتقدير والتفكّر ، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم ( صلى الله عليه وسلم ) في الصبر ، فكان لا يغضبه شيء يستفزه . وجمع له في الحذر أربع : أخذه بالحسن ، ليقتدي به ، وتركه القبيح لينتهي عنه ، واجتهاد الرأي بما أصلح أمته ، والقيام لهم بما جمع لهم من أمر الدنيا والآخرة . ( صلى الله عليه وسلم ) . فهذه جملة كافية من أوصافه ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلنذكر أحواله .
ذكر أحوال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
في دنياه ، وما ناله من شدة العيش فيها ، وما روي من أحواله في تطيبه ولباسه وفراشه ، ووسادته ، وتختمه وتنعله ، وخفّيه . وسواكه ، ومشطه ، ومكحلته ومرآته وقدحه ، وما ورد في حجامته ، وما ملكه من السلاح والدواب وغير ذلك .
( صلى الله عليه وسلم )
أما ما ناله ( صلى الله عليه وسلم ) من شدة العيش في دنياه
فقد تقدم من صفاته المعنوية زهده في الدنيا وتقلله منها ، وأحلنا هناك على ما نورده في هذا الموضع . وسنورد منه ما تقف عليه إن شاء الله . فمن ذلك ما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً ، وأهله لا يجدون عشاء ، وكان عامة خبزهم الشعير . وعن أنس بن مالك أن فاطمة رضي الله عنها جاءت بكسرة خبز إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : " ما هذه الكسرة " ؟ قالت : قرصٌ خبزته فلم تطب نفسي حتى آتيتك بهذه الكسرة . فقال : " أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام " . وعن أبي هريرة : " أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يشدّ صلبه بالحجر من الغرث " . وعن مسروق قال : بينما عائشة تحدثني ذات يوم إذ بكت ؛ فقلت ما يبكيك يا أم المؤمنين ؟ قالت : ما ملأت بطني من طعام فشئت أن أبكي إلا بكيت ؛ أذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما كان فيه من الجهد . وعنه قال : دخلت على عائشة أم المؤمنين وهي تبكي ، فقلت يا أم المؤمنين ما يبكيك ؟ قالت : ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت ؛ وذلك أن رسول الله صلىالله عليه وسلم كان يأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز برّ . وعنها رضي الله عنها قالت : ما شبع آل محمد غداءً وعشاءً من خبز الشعير ثلاثة أيام متتابعات حتى لحق

الصفحة 185