كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
من التمر لم يشبع من الخبز ، وإن شبع من الخبز لم يشبع من التمر ، فذلك الذي أبكاني . وعن أسماء بنت يزيد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) توفّى يوم توفّى ، ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود بوسق من شعير . وسئل سهل بن سعد : أكانت المناخل على عهد رسول الله صلىالله عليه وسلم ؟ قال : ما رأيت منخلاً في ذلك الزمان ، وما أكل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الشعير منخولاً حتى فارق الدنيا . فقيل له : كيف كنتم تصنعون ؟ قال : كنا نطحنها ثم ننفخ قشرها ، فيطير ما طار ويستمسك ما استمسك . وعن الأعرج ، عن أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يجوع ، قال قلت لأبي هريرة : وكيف ذلك الجوع ؟ قال : لكثرة من يغشاه وأضيافه ، وقوم يلزمونه لذلك ، فلا يأكل طعاماً أبداً إلا ومعه أصحابه وأهل الحاجة يتتبعون من المسجد ، فلما فتح الله تعالى خيبر اتسع الناس بعض الاتساع ، وفي الأمر بعض ضيقٌ ، والمعاش شديد في بلاد ظلفٍ ، ولا زرع فيها ، إنما طعام أهلها التمر وعلى ذلك أقاموا . قال مخرمة بن سليمان : وكانت جفنة سعد تدور على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منذ يوم نزل المدينة في الهجرة إلى يوم توفي .
وغير سعد بن عبادة من الأنصار يفعلون ذلك . وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كثيراً يواسون ، ولكن الحقوق تكثر والعدّام يكثرون ، والبلاد ضيقة ليس فيها معاش ، إنما تخرج ثمرتهم من ماء ثمد يحمله الرجال على أكتافهم ، أو على الإبل أقل ذلك ، وربما أصاب نخلهم القشّام فتذهب ثمرتهم تلك السنة ، والقشّام : شيء يصيب البلح مثل الجدري فينتشر ؛ فهذه كانت حاله ( صلى الله عليه وسلم ) في عيشه في غالب أوقاته ، وهي سنة الأنبياء صلوات الله عليهم .
وأما تطيبه ( صلى الله عليه وسلم )
فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحب الطيب ، وكان يتطيب بالغالية وبالمسك ، حتى يرى وبيصه في مفارقه ، ويتبخر بالعود ويطرح معه الكافور ، وكان يعرف في الليلة المظلمة بطيب ريحه ( صلى الله عليه وسلم ) .