كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
والمعجزة على ضربين : ضربٌ هو من نوع قدرة البشر فعجزوا عن الإتيان بمثله ، كالقرآن على رأي من رأى أن من قدرة البشر أن يأتوا بمثله ، ولكن الله تعالى صرفهم عن ذلك ، فعجزوا عنه ، وكصرف يهود عن تمني الموت ، ونحو ذلك . وضرب هو خارج عن قدرة البشر كإحياء الموتى ، وتسبيح الحصى ، وانشقاق القمر ، ونبع الماء من بين الأصابع ، وتكثير الطعام ، وحبس الشمس ، وردها بعد غروبها .
وها نحن نورد في هذا الفصل من مشاهير معجزاته ، وباهر آياته ، ما تقف إن شاء الله تعالى عليه ، وقد تقدم من معجزاته ( صلى الله عليه وسلم ) في أثناء هذه السيرة ما تقدم ، مما ننبه عليه في هذا الفصل ، ونحيل عليه في مواضعه ، ونشرح ونبين ما أدمجناه قبل إن شاء الله تعالى . ومعجزاته ( صلى الله عليه وسلم ) كثيرة : منها القرآن العظيم ، وهو أكبرها آية ، وأعظمها دلالة على صدق نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومنها انشقاق القمر ، وحبس الشمس ، وردها ، وتفجير الماء وانبعاثه ونبعه من بين أصابعه وتكثير الطعام ، وكلام الشجر ، وسعيها إليه ، وحنين الجذع ، وتسبيح الطعام والحصى ، وكلام الجمادات ، وشهادة الحيوانات له ( صلى الله عليه وسلم ) بالنبوة ، وكلام الموتى ، وإبراء المرضى ، وإجابة الدعاء ، وانقلاب الأعيان ، وما أطلعه الله تعالى عليه من علم الغيوب ، والإخبار بما كان ويكون ، وما جمع له من المعارف والعلوم ومصالح الدنيا والدين ، وسياسة العالم ، والعصمة من الناس ، وغير ذلك مما نشرحه ونبينه إن شاء الله تعالى .
فأما القرآن العظيم وما انطوى عليه من المعجزات ، فمعجزاته كثيرة نحصرها في عشرة أوجه : الوجه الأول - حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ، ووجوه إيجازه ، وبلاغته الخارقة عادة العرب ، وذلك أنهم خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الأمم ، وحسبك أن القرآن أنزل بلغتهم ، ومع ذلك فقد قرعهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) به ، ووبخهم وسفه أحلامهم ، وسب آلهتهم ، وذكم آباءهم ، وشتت نظامهم ، وفرق جماعتهم ، وأنزل الله تعالى فيهم ما أنزل من قوله عز وجل : " أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " وقوله تعالى : " وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين . فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا " وقوله تعالى : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً " وغير ذلك ، فنكصوا عن معارضته ،