كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
الوجه الخامس - الروعة التي تلحق قلوب سامعيه ، وأسماعهم عند سماعه ، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته ؛ قال الله عز وجل : " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " وقال تعالى : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله " هذا في حق المؤمنين به ، وأما من كذب به فكانوا يستثقلون سماعه ، ويودّون انقطاعه ، ولهذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " القرآن صحب مستصعب على من كرهه وهو الحكم " وقد تقدم أن عتبة بن ربيعة لما سمع القرآن من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبلغ قوله : " صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود " أمسك على في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وناشده الرحم أن يكف .
الوجه السادس - كونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا ، وقد تكفل الله تعالى بحفظه فقال : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " . وقال تعالى " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " وسائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها ، فلم يبق إلا خبرها ، والقرآن العزيز باق منذ أنزله الله تعالى وإلى وقتنا هذا ، وما بعد إن شاء الله إلى آخر الدهر ، حجته قاهرة ، ومعارضته ممتنعة .
الوجه السابع - أن قارئه لا يمل قراءته ، وسامعه لا تمجه مسامعه ، بل الإكباب على تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبة ، لا يزال غضا طريا ، وغيره من الكلام ولو بلغ ما عساه أن يبلغ من البلاغة والفصاحة يمل مع الترديد ، ويسأم إذا أعيد ، وكذلك غيره من الكتب لا يوجد فيها ما فيه من ذلك ، وقد وصف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القرآن " أنه لا يحلق على كثرة الرد ولا تنقضي عبره ، ولا تفنى عجائبه ، هو الفصل ليس بالهزل " .
الوجه الثامن - أن الله تعالى يسر حفظه لمتعلميه ، وقربه على متحفظيه ، قال الله تعالى : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكرٍ " فلذلك إن سائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منها ، وإن لازم قراءاتها ، وداوم مدارستها ، لم يسمع بذلك عن أحد منهم ، والقرآن قد يسر الله تعالى حفظه على الغلمان في المدة القريبة والنسوان ، وقد رأينا من حفظه على كبر سنه ، وهذا من معجزاته .
الوجه التاسع - مشاكله بعض أجزائه بعضا ، وحسن ائتلاف أنواعها ، والتئام أقسامها ، وحسن التخلص من قصة إلى أخرى ، والخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه ، وانقسام السورة الواحدة على أمر ونهي ، وخبر واستخبار ووعد ووعيد ، وإثبات نبوة وتوحيد ، وتقرير وترغيب وترهيب ، إلى غير ذلك ، دون خلل