كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 210 """"""
وأما كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وانقيادها إليه وإجابتها دعوته ( صلى الله عليه وسلم )
فمن ذلك ما رويناه بسند متصل عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر فدنا منه أعرابي ، فقال : " يا أعرابي أين تريد " ؟ قال : إلى أهلي ، قال : " هل لك إلى خير " ؟ قال : وما هو ؟ قال : " تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله " قال : من يشهد لك على ما تقول ؟ قال : " هذه الشجرة السمرة " وهي بشاطئ الوادي ، فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه ، فاستشهدها ثلاثا فشهدت له أنه كما قال ، ثم رجعت إلى مكانها .
وعن بريدة قال : سأل أعرابي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آية فقال له : " قل لتلك الشجرة رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - يدعوك " قال : فمالت الشجروة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها فتقطعت عروقها ، ثم جاءت تخد الأرض ، تجز عروقها مغيرة حتى وقفت بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالت : السلام عليك يا رسول الله ، قال الأعرابي : مرها فلترجع إلى منبتها فاستوت ، فقال الأعرابي : إيذن لي أسجد لك ، قال : " لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " قال : فأذن لي أقبل يديك ورجليك ، فأذن له . ومن ذلك ما روى في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله قال : ذهب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقضي حاجته فلم يرى شيئاً يستتر به ، فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال : " انقادي علي بإذن الله " فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قلائده . وذكر أنه فعل بالأخرى مثل ذلك ، حتى إذا كان بالمنصف بينهما قال : " التئما عليّ بإذن الله " فالتأمتا . وفي رواية أخرى ؛ فقال : " يا جابر قل لهذه الشجرة يقول لك رسول الله - ( صلى الله عليه وسلم ) - الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما " ففعلت فرجعت حتى لحقت بصاحبتها ، فجلس خلفهما ، فخرجت أحضر ، وجلست أحدث نفسي ، فالتفت فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مقبل والشجرتان قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق ، فوقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقفة فقال برأسه - هكذا - يمينا وشمالا .

الصفحة 210