كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 214 """"""
يحدث الناس بأنباء ما قد سبق ، فأتى الراعي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " قم فحدثهم " ، ثم قال : " صدق " . وروى حديث الذئب عن أبي هريرة . وفي بعض الطرق عنه قال الذئب : أنت أعجب واقفا على غنمك ، وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه عنده قدراً ، قد فتحت له أبواب الجنة ، وأشرف أهلها على أصحابه ينتظرون قتالهم ، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب فتصير في جنود الله ، قال الراعي : من لي بغنمي ؟ قال الذئب : أنا أرعاها حتى ترجع ، فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى ، وذكر قصته واسلامه ووجوده النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقاتل ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " عد إلى غنمك تجدها بوفرها " فوجدها كذلك ، وذبح للذئب شاة منها .
وروى أن أهبان بن أوس هو صاحب القصة ومكلم الذئب . وروى أيضا أن صاحب القصة سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وأنها سبب إسلامه . وحكى أبو عمر بن عبد البر في ترجمة رافع بن عميرة الطائى أنه كلمه الذئب ، وهو في ضأنٍ له يرعاها ، فدعاه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واللحاق به . قال : وزعموا أن رافع بن عميرة قال في كلام الذئب إياه .
رعيت الضأن أحميها بكلبي . . . من الضبع الحفي وكل ذيب
فلما أن سمعت الذئب نادى . . . يبشرني بأحمد من قريب
سعيت إليه قد شمرت ثوبي . . . على الساقين قاصدة الركيب
فألفيت النبي يقول قولاً . . . صدوقا ليس بالقول الكذوب
يبشرني بدين الحق حتى . . . تبينت الشريعة للمنيب
وأبصرت الضياء يضىء حولي . . . أمامي إن سعيت ومن جنوبي
في أبيات أخر .
وروى ابن وهب : أن مثل هذه القصة وقع لأبي سفيان بن حرب ، وصفوان ابن أمية مع ذئب وجداه قد أخذ ظبيا ، فدخل الظبي الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك ، فقال الذئب : أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار . فقال أبو سفيان : واللات والعزى لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنا خلوفا . وقد روى أيضا مثل هذا الخبر ، وأنه جرى لأبي جهل وأصحابه .

الصفحة 214