كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 226 """"""
ذرا التراب على رءوسهم وخلص منهم . وقصة الغار ، وأخذ الله على أبصارهم ، وخبر سراقة بن مالك بن جعشم ، وقد تقدم ذكر ذلك . وفي خبر آخر أن راعيا عرف خبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر حين هاجرا ، فخرج يشتد ليعلم قريشا بشأنهما ، فلما دخل مكة ضرب على قلبه فما يدري ما يصنع ، وأنسي ما خرج له حتى رجع إلى موضعه . وذكر السّمرقندي : أن رجلا من بني المغيرة أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليقتله ، فطمس الله بصره فلم ير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسمع قوله ، فرجع إلى أصحابه ولم يرهم حتى نادوه ، وذكر أنّ فيه وفي أبي جهل نزلت : " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون . وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " . وقد روي عن أبي هريرة أن أبا جهل وعد قريشا : لئن رأى محمدا - ( صلى الله عليه وسلم ) - يصلي ليطأن رقبته ، فلما ( صلى الله عليه وسلم ) أعلموه فأقبل ، فلما قرب منه ولى هاربا ناكصا على عقبيه متّفيا بيديه ، فسئل فقال : لما دنوت منه أشرفت على خندق مملوء نارا كدت أهوى فيه ، وأبصرت هولاً عظيماً ، وخفق أجنحة قد ملأت الأرض . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " تلك الملائكة لو دنا لاختطفته عضوا عضوا " ثم أنزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " كلاّ إن الإنسان ليطغى " إلى آخر السورة . وقد ذكرنا أيضا قصة شيبة بن عثمان بن أبي طلحة في غزوة حنين . وعن فضالة بن عمرو قال : أردت قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عام الفتح وهو يطوف بالبيت ، فلما دنوت منه قال : " أفضالة " ؟ قلت : نعم ، قال : " ما كنت تحدّث به نفسك " ؟ قلت : لا شيء فضحك واستغفر لي ووضع يده على صدري فسكن قلبي ، فو الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئا أحبّ إليّ منه . ومنه خبر عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس ، وقد تقدم ذكر قصتهما .
ومن معجزاته ( صلى الله عليه وسلم )
ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم ، وخصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ، ومعرفته بأمور الشرائع وغير ذلك ، كاطلاعه ( صلى الله عليه وسلم ) على أخبار من سلف من الأمم ، وقصص الأنبياء والرسل ، وأخبار الجبابرة والقرون الماضية ، وحفظ شرائعهم ، وسرد أنبائهم ، وأيام الله فيهم ، ومعارضة كل فرقة من أهل الكتاب بما في كتبهم ، وإعلامهم بأسرارها ومخبآت علومها ، وإخبارهم بما كتموه من ذلك وغيّروه ، واحتوائه ( صلى الله عليه وسلم ) على لغات العرب وغريب ألفاظها ، والحفظ لأيامها وأمثالها وحكمها ، ومعاني أشعارها ، وما خصه الله تعالى به من جوامع الكلم ، وما علمه من ضروب

الصفحة 226