كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
الأزور ، فقال حضرميّ : يا رسول الله أتيناك نتدرّع الليل البهيم ، في سنة شهباء ، ولم تبعث إلينا بعثا ، فنزل فيهم قوله عز وجل : " يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين " .
قال : وكان معهم قوم من بني الزّنية وهم بنو مالك بن مالك بن ثعلبة بن دودان ابن أسد ، فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أنتم بنو الرّشدة " .
وقال أبو إسحق أحمد بن محمد الثّعلبيّ رحمه الله : إنّ نفرا من بني أسد ، ثم من بني الحلاف بن الحارث بن سعيد ، قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة في سنة جدبة ، فأظهروا شهادة أن لا إله إلا الله ، ولم يكونوا مؤمنين في السّر ، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات ، وأغلوا أسعارها ، وكانوا يغدون ويروحون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقولون : أتتك العرب بأنفسها ، على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأثقال والعيال والذّراريّ - يمنّون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) - ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان . ويريدون الصّدقة ، ويقولون : أعطنا . فأنزل الله عز وجل فيهم : " قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " الآيات . وقيل : نزلت في الأعراب : مزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وأشجع ، وغفار . وكانوا يقولون : آمنّا بالله ؛ ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلّفوا ، فأنزل الله فيهم : " قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " أي انقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسّبي " ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم " فأخبر تعالى أن حقيقة الأيمان التصديق بالقلب ، وأن الإقرار باللسان ، وإظهار شرائعه بالأبدان ، لا يكون إيمانا دون الإخلاص الذي محلّه القلب .
ذكر وفد تميم
قال أبو عبد الله محمد بن سعد : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد بعث بشر بن سفيان . ويقال : النّحّام العدويّ على صدقات بني كعب من خزاعة ، فجاء وقد حلّ بنواحيهم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم ، فجمعت خزاعة مواشيها للصدقة ، فاستنكرت ذلك بنو تميم ، وأبوا وابتدروا القسيّ ، وشهروا السّيوف ، فقدم المصدّق