كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
أن يقف ، ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئاً حتى أصبح ، ثم ذكرت ذلك له فقال : " إني بعثت لأهل البقيع لأصلّى عليهم " . وعنها رضي الله عنها قالت : افتقدت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الليل فتبعته فإذا هو بالبقيع فقال : " السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين أنتم لنا فرطٌ ، وإنا بكم لاحقون ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم " قالت : ثم التفت إليّ فقال : " ويحها لو تستطيع ما فعلت " . وعنها رضي الله عنها قالت : وثب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من مضجعه من جوف الليل ، فقلت : إلى أين بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : " أمرت أن أستغفر لأهل البقيع " قالت : فخرج وخرج معه مولاه أبو رافع ، وكان أبو رافع يحدّث قال : اسغفر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهم طويلاً ثم انصرف ، وجعل يقول : " يا أبا رافع إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة ، وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي " . وعن أبي مويهبة مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من جوف الليل : " يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي " فخرج وخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلاً ، ثم قال : " ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى " ثم أقبل عليّ فقال : " يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، فقال : " لا يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة " ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف . والجمع بين هذه الأحاديث كلها غير مناف ؛ لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ربما استغفر لأهل البقيع ليالي ، ويؤيد هذا ويعضده ما رواه عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كلما كانت ليلتها منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أتانا وإياكم ما توعدون ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد " . وعن عطاء بن يسار أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتي فقيل له : اذهب فصلّ على أهل البقيع ، ففعل ذلك ثم رجع فرقد ، فقيل له اذهب فصلّ على الشهداء ، فذهب إلى أحدٍ فصلّى على قتلى أحد ، فرجع معصوب الرأس ، فكان بدوّ الوجع الذي مات فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
وعن عقبة بن عامر الجهنيّ : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ، ثم طلع المنبر فقال : " إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد ، وإن موعدكم الحوض ، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها " .