كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 246 """"""
فقال : " قوموا " فلما قاموا قبض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكانه ، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما كان في مرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذي توفي فيه ، دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلون ، فكان في البيت لغط كلام ، وتكلم عمر بن الخطاب ، قال : فرفضه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
وعن محمد بن عمر الواقدي عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبيننا وبين النساء حجاب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " اغسلوني بسبع قرب وأتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " فقال النسوة : ايتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحاجته . قال عمر فقلت : اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن ، وإذا صح أخذتن بعنقه . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " هن خير منكم " .
هذا ما وقفنا عليه من الروايات المسندة في هذا الحديث ، وقد تذرعت به طائفة من الروافض ، وتكلموا فيه وطعنوا على من لغط عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى امتنع من الكتابة . وقد تكلم القاضي أبو الفضل عياض بن موسى رحمه الله على هذا الحديث ، وذكر أقوال العلماء وما أبدوه من الاعتذار عن عمر رضي الله عنه فيما قال ، فقال رحمه الله تعالى ، قال أئمتنا في هذا الحديث : النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غير معصوم من الأمراض ، وما يكون من عوارضها من شدة وجع وغشى ونحوه ، مما يطرأ على جسمه ، معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعن في معجزته ، ويؤدي إلى فساد في شريعته ، من هذيان أو اختلال في كلام ، وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث " هجر " إذ معناه هذي يقال : هجر هجر إذا أفحش ، وأهجر تعدية هجر ، وإنما الأصح والأولى " أهجر " ؟ على طريق الإنكار على من قال لا نكتب ، قال : وهكذا روايتنا فيه صحيح البخاري من رواية جميع الرواة في حديث الزهري ومحمد بن سلام عن ابن عيينة ، قال : وكذا ضبطه الأصيل بخطه في كتابه وغيره من هذه الطرق ، وكذا رويناه عن مسلم في حديث سفيان وعن غيره ، قال : وقد تحمل عليه رواية من رواه هجر على حذف ألف الاستفهام ، والتقدير : أهجر ؟ أو أن يحمل قول القائل : " هجر " أو أهجر دهشةً من قائل من ذلك وحيرةً ، لعظيم ما شاهد من حال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وشدة وجعه ، وهو المقام الذي اختلف فيه عليه ، والأمر الذي هم بالكتاب فيه ، حتى لم يضيبط هذا القائل لفظه وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع ، لأنه اعتقد أنه يجوز عليه الهجر ، كما حملهم الإشفاق على حراسته ، والله تعالى يقول :

الصفحة 246