كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
" والله يعصمك من الناس " ونحو هذا .
وأما على رواية " أهجراً " ، وهي رواية أبي إسحاق المستملي في الصحيح ، في حديث ابن جبير ، عن ابن عباس من رواية قتيبة ، فقد يكون هذا راجعاً إلى المختلفين عنده ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومخاطبةً لهم من بعضهم ، أي جئتم باختلافكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين يديه هجرا ومنكراً من القول والهجر بضم الهاء الفحش في المنطق .
وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث ، وكيف اختلفوا بعد أمره لهم عليه السلام أن يأتوه بالكتاب ، فقال بعضهم : أوامر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يفهم إيجابها من ندبها من إباحتها بقرائن ، فلعل قد ظهر من قرائن قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لبعضهم ما فهموا أنه لم يكن منه عزمة ، بل أمرٌ رده إلى اختيارهم ، وبعضهم لم يفهم ذلك ، فقال : استفهموه ، فلما اختلفوا كف عنه إذ لم تكن عزمة ، ولما روأه من صواب رأي عمر رضي الله عنه . ثم هؤلاء قالوا : ويكون امتناع عمر إما إشفاقا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تكليفه في تلك الحال ، وإما إملاء الكتاب ، وأن يدخل عليه مشقة من ذلك كما قال : إن النبي اشتد به الوجع . وقيل : خشى عمر أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون في الحرج بالمخالفة ، ورأى أنه الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد ، وحكم النظر ، وطلب الصواب ، فيكون المصيب والمخطئ مأجورا ، وقد علم عمر تقرر الشرع وتأسيس الملة ، وأن الله تعالى قال : " اليوم أكملت لكم دينكم " وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أوصيكم بكتاب الله وعزتي " . وقول عمر : حسبنا كتاب الله ، رد على من نازعه ، لا على أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وقد قيل : إن عمر خشى تطرق المنافقين ، ومن في قلبه مرض لما كتب في ذلك الكتاب في الخلوة ، وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل كادعاء الرافضة والوصية وغير ذلك .
وقيل : إنه كان من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على طريق المشورة والاختبار ، هل يتفقون على ذلك أم يختلفون ، فلما اختلفوا تركه . وقالت طائفة أخرى : إن معنى الحديث أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان مجيبا في هذا الكتاب لما طلب منه لا أنه ابتداء بالأمر به ، بل اقتضاه منه بعض هذه القضية بقول العباس لعلي : انطلق بنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة على هذا وقوله : " والله لا أفعل " الحديث .
واستدل بقوله : " دعوني فإن الذي أنا فيه خير " أي الذي أنا فيه خير من إرسال الأمر وترككم ، وكتاب الله . وأن تدعون مما طلبتم . وذكر أن الذي طلب كتابه في أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك . هذا ما أورده في معنى هذا الحديث .
والله تعالى أعلم .