كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 253 """"""
.
ذكر ما تكلم به الناس حين شكوا في وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخطبة أبي بكر رضي الله عنه
روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكى الناس فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد خطيبا فقال : لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا قد مات ولكنه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى ابن عمران ، فلبث عن قومه أربعين ليلة ، وإني والله لأرجو أن تقطع أيدي رجالٍ وأرجلهم يزعمون أنه مات . وعن عكرمة قال : لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : إنما عرج بروحه كما عرج بروح موسى ، قال : وقام عمر خطيبا فوعد المنافقين ، وقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يمت ، ولكن إنما عرج بروحه كما عرج بروح موسى ، لا يموت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم ، قال : فما زال عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه ، فقال العباس : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأسن كما يأسن البشر ، وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد مات فادفنوا صاحبكم ، أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين ؟ هو أكرم على الله من ذلك ، فإن كان كما تقولون فليس على الله بعزيز أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله ، ما مات حتى ترك السبيل نهجاً واضحا ، أحل الحلال ، وحرم الحرام ، ونكح وطلق ، وحارب وسالم ، وما كان راعى غنم يتبع بها صاحبها رءوس الجبال ، يخبط عليها العضاة بمخبطه ويمدر حوضها بيده ، بأنصب ولا أرأب من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان فيكم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استأذن عمر والمغيرة بن شعبة فدخلا عليه فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر : أغشيا ؟ ما أشد غشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قاما فلما انتهيا إلى الباب ، قال المغيرة : يا عمر ، مات والله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال عمر : كذبت ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولكنك رجل تحوسك فتنةٌ ، ولن يموت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى يفنى المنافقين ، ثم جاء أبو بكر وعمر يخطب الناس فقال له أبو بكر : اسكت ؛ فسكت ، فصعد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قرأ : " إنك ميتٌ وإنهم ميتون " ثم قرأ : " وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " ثم قال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . فقال عمر : هذا في كتاب الله ؟ قال : نعم ، قال : أيها الناس ، هذا أبو بكر وذو شيبة المسمين فبايعوه فبايعه

الصفحة 253