كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
الناس .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : دخل أبو بكر المسجد وعمر بن الخطاب يكلم الناس ، فمضى حتى دخل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي توفي فيه ، وهو بيت عائشة ، وكشف عن وجه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) برد حبرة ، كان مسجى به فنظر إلى وجهه ثم أكب عليه فقبله ، فقال : بأبي أنت ؛ والله لا يجمع الله عليك موتتين ، لقد مت الموتة التي لا تموت بعدها ، ثم خرج أبو بكر إلى الناس ، وعمر يكلمهم فقال : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فكلمه أبو بكر مرتين أو ثلاثا ، فلما أبى عمران يجلس قام أبو بكر فتشهد ، فأقبل الناس إليه وتركوا عمرا ، فلما قضى أبو بكر تشهده قال : أما بعد ، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت ، قال الله تبارك وتعالى : " وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر شيئا وسيجزى الله الشاكرين " .
قال : فلكما تلاها أبو بكر أيقن الناس بموت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وتلقاها الناس من أبي بكر تلاها أو كثير منهم ، حتى قال قائل من الناس : والله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية أنزلت حتى تلاها أبو بكر . فزعم سعيد ابن المسيب أن عمر بن الخطاب قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت وأنا قائم حتى خررت إلى الأرض ، وأيقنت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد مات . وعن الحسن قال : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ائتمر أصحابه فقالوا : تربصوا بنبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) لعله عرج به ، قال : فتربصوا به حتى ربا بطنه ، فقال أبو بكر : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه أنه لما شك في موت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال بعضهم : قد مات ، وقال بعضهم : لم يمت ، وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه ، وقالت : قد توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قد رفع الخاتم من بين كتفيه . وكان من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أخرس عن الكلام لما راعه من موت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فما تكلم إلا بعد الغد ، وأقعد آخرون ، منهم علي بن أبي طالب ، ولم يكن فيهم أثبت من أبي بكر والعباس رضي الله عنهما ، قالوا : وعزى الناس بعضهم بعضا برسول الله صلى الله عليه ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد ذكر ذلك للناس قبل موته كما روى عن سهل بن سعد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " سيعزى الناس بعضهم بعضا من بعدي التعزية بي " فكان الناس يقولون ما هذا ؟ فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقى الناس بعضهم بعضا يعزى بعضهم بعضا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .