كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 37 """"""
عنقه ، فمال إلى بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول : يا بني عامر ، غدّة كغدّة البكر ، وموتٌ في بيت سلوليّة قال : ومات فواراه أصحابه ، وخرجوا حتى قدموا أرض بني عامر ، فأتاهم قومهم فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟ فقال : لا شيء ، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنّبل حتى أقتله ، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه ، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما . وقال أبو إسحق أحمد بن محمد الثعلبيّ في هذه القصة ، بسند يرفعه إلى عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : أقبل عامر بن الطّفيل وأربد بن ربيعة يريدان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو بالمسجد جالس في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر ، وكان أعور ، وكان من أجمل الناس ، فقال رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : يا رسول الله ، هذا عامر ابن الطّفيل قد أقبل نحوك ، فقال : " دعه فإن يرد الله به خيرا يهده " فأقبل حتى قام عليه . فقال : يا محمد ، ما لي إن أسلمت ؟ فقال : " لك ما للمسلمين ، وعليك ما على المسلمين " . قال : تجعل لي الأمر بعدك ؟ قال : " ليس ذلك إليّ ، إنما ذلك إلى الله عز وجل ، يجعله حيث يشاء " . قال تجعلني على الوتر وأنت على المدر ؟ . قال : " لا " . قال : فماذا تجعل لي ؟ قال : " أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها " . قال : أو ليس ذلك لي اليوم ؟ قم معي أكلّمك . فقام معه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلّمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف ؛ فجعل يخاصم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويراجعه ، فدار أربد خلف النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ، فاخترط من سيفه شبرا ، ثم حبسه الله عزّ وجلّ عنه فلم يقدر على سلّه ، وجعل عامر يوميء إليه ، فالتفت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فرأى أربد وما يصنع بسيفه ، فقال : " اللهم اكفنيهما بما شئت " . فأرسل الله عزّ وجلّ على أربد صاعقة في يوم صائف فأحرقته ، وولّى عامرٌ هاربا ، وقال : يا محمد ، دعوت ربّك فقتل أربد ، والله لأملأنّها عليك خيلا جردًا ، وفتيانا مردًا ؛ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يمنعك الله ذلك وأبناء قيلة " يعني الأوس والخزرج . فنزل عامر بيت امرأة سلوليّة وأنشأ يقول :
تخيّر أبيت اللّعن إن شئت ودّنا . . . وإن شئت حربًا ذات بأسٍ ومصدق

الصفحة 37