كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
ذكر وفد ثقيفٍ وإسلامها وهدم الّلات
كان قدوم وفد ثقيفٍ على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وإسلامها في شهر رمضان سنة سبع من مهاجره . قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ، وأبو محمد عبد الملك بم هشام ، وأبو عبد الله محمد بن سعد رحمهم الله ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض : لمّا حاصر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطائف لم يحضر عروة بن مسعود ، ولا غيلان بن سلمة الحصار ، بل كانا بجرش يتعلّمان صنعة العرّادات والمنجنيق والدّبابات ، فقدما وقد انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الطّائف ، فنصبا المنجنيق والعرّدات والدّبابات واعتدّا للقتال ، ثم ألقى الله في قلب عروة الإسلام ، فخرج إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتبع أثره ، حتى أدركه قبل أن يصل المدينة فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إنّهم قاتلوك " فقال عروة : يا رسول الله ، أنا أحبّ إليهم من أبكارهم . قال : فكرر عليّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ثلاثا ، فقال : " إن شئت فاخرج " فخرج ، وكان فيهم كذلك محبّبا مطاعا ، فسار إلى الطائف ، فسار خمسا فقدم عشاءً ، فدخل منزله ، فجاء قومه يحيّونه بتحيّة الشّرك ، فقال : عليكم بتحية أهل الجنة " السّلام " . ودعاهم إلى الإسلام فخرجوا من عنده يأتمرون به ، فلمّا طلع الفجر أوفى على غرفة له فأذّن بالصلاة ، فخرجت ثقيفٌ من كل ناحية ، فرماه رجل يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك - وقيل : بل هو وهب بن جابر رجلٌ من الأحلاف - بسهم فأصاب أكحله فلم يرقأ دمه ، فقام أشراف قومه ؛ وهم : غيلان بن سلمة ، وكنانة بن عبد ياليل ، والحكم بن عمرو ابن وهب ، ووجوه الأحلاف ، فلبسوا السّلاح وحشدوا ، فلما رأى عروة ذلك قال : قد تصدّقت بدمي على صاحبه ؛ لأصلح بذلك بينكم ، وهي كرامة أكرمني الله بها ، وشهادةٌ ساقها الله إليّ . وقال : ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومات فدفنوه معهم ، وبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خبره فقال فيه : " إنّ مثله في قومه لكمثل صاحب " يس " دعا قومه إلى الله فقتلوه " .