كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
فلقيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل أن يدخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام ، فقال أبو بكر للمغيرة : أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، حتى أكون أنا أحدّثه ؛ ففعل المغيرة . فدخل أبو بكر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره بقدومهم عليه ، ثم خرج المغيرة إليهم فعلّمهم كيف يحيّون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية .
قال : ولما قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ضرب عليهم قبّة في ناحية مسجده - كما يزعمون - وكان خالد بن سعيد بن العاص يمشي بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، حتى كتبوا كتابهم ، وكتبه خالد بيده ، وهو : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبيّ رسول الله ، إلى المؤمنين : إنّ عضاه وجٍّ وصيده حرام لا يعضد ، ومن وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، فإن تعدّى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبيّ - محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) - وأن هذا أمر النبيّ محمدٍ رسول الله . وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعدّه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمدٌ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " .
قال ابن إسحق : وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى يأكل منه خالد ، حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم .
قال : وقد كان فيما سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدع لهم الطّاغية وهي الّلات ؛ لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك عليهم ، فما برحوا يسألونه حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم ، فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمًّى . وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون بأن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام . فأبى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فهدماها . وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة ، وألا يكسروا أوثانهم بأيديهم ؛ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أمّا كسر أوثانهم بأيديهم فسنعفيكم منه ، وأما الصّلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه " . فقالوا : يا محمد ، فسنؤتيكما وإن كانت دناءة . فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كتابهم ، أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنًا ، وكان أحرصهم على التّفقّه في الإسلام وتعلّم القرآن ، فقال أبو بكر الصدّيق ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .