كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
قال المغيرة : فدخل ثقيف في الإسلام ، فلا أعلم قوما من العرب بني أبٍ ولا قبيلة كانوا أصحّ إسلاما ، ولا أبعد أن يوجد فيهم غشٌّ لله ولكتابه منهم .
ذكر وفد عبد القيس
قال محمد بن سعد : كتب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أهل البحرين أن يقدم عليه منهم عشرون رجلا ، فقدموا ؛ رأسهم عبد الله بن عوف الأشجّ ، وفيهم الجارود بن عمرو بن حنش ، ومنقذ بن حبّان وهو ابن أخت الأشجّ ، وكان قدومهم عام الفتح ، فقيل : يا رسول الله هؤلاء وفد عبد القيس ، فقال : " مرحبًا بهم نعم القوم عبد القيس " . قال : ونظر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الأفق صبيحة ليلة قدموا ، فقال : " ليأتينّ ركبٌ من المشرق لم يكرهوا على الإسلام ، قد أنضوا الرّكاب ، وأفنوا الزاد بصاحبهم علامة ، اللّهمّ اغفر لعبد القيس ، أتوني لا يسألون مالاً هم خير أهل المشرق " .
قال : فجاءوا في ثيابهم ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في المسجد ، فسلّموا عليه ، فقال : " أيكم عبد الله الأشجّ " ؟ فقال : أنا يا رسول الله . وكان رجلا دميما ، فنظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : " إنه لا يستقى في مسوك الرجال ، إنما يحتاج من الرّجل إلى أصغريه لسانه وقلبه " . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " فيك خصلتان يحبّهما الله تعالى " فقال عبد الله : وما هما ؟ قال : " الحلم والأناة " . قال : أشيء حدث أم جبلت عليه ؟ . قال : " بل جبلت عليه " . قال : وكان الجارود نصرانيا ، فعرض عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الإسلام ورغّبه فيه .
قال ابن إسحق : فقال يا محمد ، إنّي قد كنت على دين ، وإني تاركٌ ديني لدينك : أفتضمن لي ديني ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " نعم ، أنا ضامنٌ لك أن قد هداك الله إلى ما هو خيرٌ منه " . فأسلم وأسلم أصحابه .
قال ابن سعد : وأنزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفد عبد القيس في دار رملة بنت الحارث ، وأجرى عليهم ضيافة ، وأقاموا عشرة أيام ، وكان عبد الله الأشجّ يسائل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الفقه والقرآن ، وأمر لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بجوائز ، وفضّل عليهم عبد الله الأشجّ ؛ فأعطاه اثنتي عشرة أوقية ونسًّا ، ومسح ( صلى الله عليه وسلم ) وجه منقذ بن حبّان .

الصفحة 45