كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 49 """"""
وخلّفوا مسيلمة في رحالهم . وأقاموا أياما يختلفون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . وكان رجّال بن عنفوة يتعلّم القرآن من أبي بن كعب ، فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم ، أمر لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بجوائزهم : خمس أواقٍ لكل رجل ، فقالوا : يا رسول الله ، خلّفنا صاحبًا لنا في رحالنا يبصرها لنا ، وفي ركابنا يحفظها علينا ، فأمر له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمثل ما أمر لأصحابه . وقال : " ليس بشرّكم مكانًا لحفظه ركابكم ورحالكم " . فقيل ذلك لمسيلمة فقال : عرف أنّ الأمر إليّ من بعده . وأعطاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إداوةً من ماء فيها فضل طهوره ، فقال : " إذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم ، وانضحوا مكانها بهذا الماء ، واتخذوا مكانها مسجدًا " ففعلوا ، وصارت الإداوة عند الأقعس بن مسلمة ، وصار المؤذّن طلق بن عليّ ، فأذّن فسمعه راهب البيعة ، فقال : كلمة حقٍّ . وهرب فكان آخر العهد به .
ثم ادّعى مسيلمة الكذّاب بعد ذلك النبوّة ، وشهد له الرّجّال أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أشركه في الأمر ، فافتتن الناس به ، وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى في خلافة أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه .
ذكر وفد شيبان
قال : وقدم من بني شيبان حريث بن حسّان الشّيبانيّ ، فبايع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى قومه ، وصحبه في مسيرة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قيلة بنت مخرمة التّميميّة ، وهي التي أرعدت من الفرق لمّا أتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال لها : " يا مسكينة عليك السّكينة " فهدأت .
روي عن قيلة بنت مخرمة أنها قالت : إنّ حريث بن حسّان قال : يا رسول الله ، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدّهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلاّ مسافر أو مجاور . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يا غلام اكتب له بالدّهناء " ، قالت قيلة : فلما رأيته أمر له بأن يكتب له بها ، قلت : يا رسول الله ، إنه لم يسألك السويّة من الأرض إذ سألك ، إنما هذه الدّهناء عندك ؛ مقيّد الجمل ، ومرعى الغنم ، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك . فقال رسول الله : " أمسك يا غلام ، صدقت المسكينة ، المسلم أخو المسلم يسعهما الماء

الصفحة 49