كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 5 """"""
أين هذا الذى تدعونه الصابيء ؟ قال : فأشار إليّ ، الصابيء فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا عليّ . قال : فارتفعت حين ارتفعت كأنّي نصبٌ أحمر ، فأتيت زمزم فشربت من مائها ، وغسلت عنّي الدّم ، ودخلت بين الكعبة وأستارها ، ولقد لبثت يابن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ومالي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسّرت عكن بطني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع . قال : فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان ، قد ضرب الله على أصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت أحدٌ غير امرأتين وهما تدعوان إسافاً ونائلة ، فأتتا عليّ في طوافهما فقلت : أنكحا إحداهما الأخرى ، فما ثناهما ذلك عما قالتا . فأتتا عليّ فقلت : هنّ مثل الخشبة غير أنّي لا أكنى ، فانطلقتا تولولان وتقولان : لو كان هاهنا أحدٌ من أنفارنا قال : فاستقبلهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر وهما هابطان من الجبل ، فقال لهما : مالكما ؟ قالتا : الصّابئ بين الكعبة وأستارها . قالا : ما قال لكما ؟ قالتا : قال لنا كلمةً تملأ الفم . فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو وصاحبه فاستلم الحجر ثم طاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلّى ، فلما قضى صلاته قال أبو ذرّ : فأتيته فكنت أوّل من حيّاه بتحية الإسلام ؛ فقال : وعليك ورحمة الله ، ثم قال : ممن أنت ؟ قلت : من غفار ، قال : فأهوى بيده فوضع يده على جبينه ، فقلت في نفسى : كره أنى انتميت إلى غفار ، قال : فأهويت لآخذ بيده ، فقد عني صاحبه وكان أعلم به منّي ، ثم رفع رأسه فقال : متى كنت هاهنا ؟ قلت : منذ ثلاثين من ليلة ويوم ، قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي من طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إنها مباركةٌ ، إنها طعام طعمٍ ، وشفاء سقم " فقال أبو بكر : يا رسول الله إيذن لي في إطعامه الليلة ،

الصفحة 5