كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
وأمّا عديّ بن حاتم فكان من خبره أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الفلس - صنم طيّء - ليهدمه ويشنّ الغارات ، فخرج فأغار على حاضر آل حاتم ، وأصابوا ابنة حاتم ، كما قدّمنا ذكر ذلك في الغزوات والسّرايا ، فقدم بها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سبايا طيّء . وقيل : إنما سباها من خيل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خيلٌ كان عليها خالد بن الوليد ، وهرب عديّ بن حاتم حتى لحق بالشام . حكى محمد بن إسحاق رحمه الله قال : كان عديّ بن حاتم يقول - فيما بلغني - : ما من رجل من العرب كان أشدّ كراهيةً لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين سمع به منّي ، أمّا أنا فكنت امرأ شريفا ، وكنت نصرانيا ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، أي آخذ منهم ربع مغانمهم التي يغنمونها ، وكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي ، فلما سمعت برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربيّ ، وكان راعيا لإبلي : لا أبا لك أعدد لي من إبلي جمالا ذللاً سمانا فاحتبسها قريبا منّي ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذنّي . ففعل ، ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عديّ ، ما كنت صانعًا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني رأيت راياتٍ فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد . فقلت : فقرّب إليّ أجمالي . فقرّبها فاحتملت بأهلي و ولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النّصارى بالشام ، فسلكت الجوشيّة - ويقال الحوشية - وخلّفت بنتا لحاتم في الحاضر ، فلمّا قدمت الشام أقمت بها ، وتخالفني خيل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سبايا طيّء ، وقد بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هربي إلى الشام ، قال : فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السّبايا تحبس فيها ، فمرّ بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة ، فقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن عليّ ، منّ الله عليك . قال : " ومن وافدك " ؟ قالت : عديّ بن حاتم . قال : " الفارّ من الله ورسوله " ؟ . قالت : ثم مضى وتركني ، حتى إذا كان من الغد مرّ بي فقلت له مثل ذلك ، فقال مثل ما قال بالأمس ، قالت : حتى إذا