كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
يقيم ، ثم أقبل فلمّا دنا منّا تلقّيناه ، فقال : جئتكم والله من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حقًّا ، ثم قال : إنه يأمركم بكذا وكذا ، وينهاكم عن كذا وكذا ، وأن تصلوا صلاة كذا في حين كذا ، وصلاة كذا في حين كذا ، إذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكم ، وليؤمّكم أكثركم قرآنا . فنظر أهل حوائنا فما وجدوا أحدا أكثر قرآنًا منّي للّذي كنت أحفظه من الرّكبان ، فقدّموني بين أيديهم ، فكنت أصلّي بهم وأنا ابن ستّ سنين ، وكان عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلّصت عنّي ، فقالت امرأة من الحيّ : ألا تغطون عنّا است قارئكم ؟ فكسوني قميصًا من معقّد البحرين ، فما فرحت بشيء أشدّ من فرحي بذلك القميص .
ومن رواية أخرى عنه : فعلّموني الركوع والسجود ، فكنت أصلّي بهم .
ذكر وفد الأزد وأهل جرش
قالوا : قدم صرد بن عبد الله الأزديّ في بضعة عشر رجلا من قومه ، وفدا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فنزلوا على فروة بن عمرو ، وأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلموا ، وأقاموا عشرة أيام ، وكان صرد أفضلهم ، فأمّره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على من أسلم من قومه ، وأمره أن يجاهد بهم من يليه ، من أهل الشّرك من قبائل اليمن ؛ فخرج حتى نزل جرش وهي مدينة حصينة مغلقة ، وبها قبائل من قبائل اليمن . وقد ضوت إليهم خثغم ؛ فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم ، فحاصرهم صرد ومن معه فيها شهرا ، ثم رجع قافلا ، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ، ظنّ أهل جرش أنه إنما ولّى عنهم منهزما ، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه صفّ صفوفه ، وحمل عليهم هو والمسلمون ، ووضعوا سيوفهم فيهم حيث شاءوا ، وأخذوا من خيلهم عشرين فرسا ، فقاتلوهم عليها نهارا طويلا .
وكان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة يرتادان وينظران ، فبينما هما عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عشيةً بعد العصر ؛ إذ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " بأيّ بلاد الله شكر " ؟ فقام الجرشيّان فقالا : يا رسول الله ، ببلادنا جبل يقال له كشر ، وكذلك نسمّيه أهل جرش ، فقال : " إنه ليس بكشر ولكنه شكر " ، قالا : فما شأنه يا