كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 81 """"""
فقال تعالى : " آلم . الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم " قال افتتح السورة بتنزيه نفسه عما قالوا وتوحيده ، ليس معه شريك في أمره : " الحيّ " أي الذي لا يموت ، وقد مات عيسى وصلب في قولكم . القيّوم " القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول ، وقد زال عيسى . ثم قال تعالى : " نزل عليك الكتالب بالحقّ " أي بالصدق فيما اختلفوا فيه " وأنزل التّوارة والإنجيل . من قبل هدًى للنّاس وأنزل الفرقان " أي الفصل بين الحقّ والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره ، ثم قال : " إنّ الّذين كفروا بآيات الله لهم عذابٌ شديدٌ والله عزيزٌ ذو انتقامٍ " أي أنّ الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته . " إنّ الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء " أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى ؛ إذ جعلوه إلها وعندهم من علمه غير ذلك . " هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء " أي قد كان عيسى ممن صوّر في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه ، كما صوّر غيره من ولد آدم ، فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل .
ثم قال تعالى تنزيها لنفسه وتوحيدا لها : " لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم " أي " العزيز " في انتصاره ممّن كفر به إذا شاء الحكيم في حجته وعذره إلى عباده . ثم قال : " هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب " أي فيهنّ حجة الربّ وعصمة العباد ، ودفع الخصوم والباطل ، ليس لهنّ تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه . " وأخر متشابهاتٌ " أي لهنّ تصريف وتأويل ، ابتلى الله فيهنّ العباد ، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ، ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرّفن عن الحق .
قال الله تعالى : " فأمّا الذين في قلوبهم زيغٌ " أي ميلٌ من الهدى . " فيتّبعون ما تشابه منه " أي ما تصرّف منه ؛ ليصدّقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا لتكون لهم حجّة وشبهة على ما قالوا . " ابتغاء الفتنة " أي الّلبس " وابتغاء تأويله " أي تأويل ذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم : خلقنا وقضينا . يقول تعالى : " وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا " فكيف يختلف وهو قولٌ واحدٌ ، من ربٍّ واحد ، يقول : " وما يذّكر إلاّ أولوا الألباب " أي في مثل هذا .
ثم قال تعالى : " ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب " . ثم قال تعالى : " شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم "

الصفحة 81