كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 82 """"""
يشهدون بذلك . قائمًا بالقسط " أي بالعدل " لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم . إنّ الدّين عند الله الإسلام " أي ما أنت عليه يا محمد من التوحيد للربّ والتصديق للرسل . قال تعالى : " وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم " أي العلم الذي جاءك أنّ الله الواحد الذي ليس له شريك . ثم قال : " ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب " يقول تعالى : " فإن حاجّوك " أي فيما يأتون به من الباطل من قولهم : خلقنا وفعلنا وأمرنا ، فإنما هي شبهة باطلٍ قد عرفوا ما فيها من الحقّ " فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين " أي الذين لا كتاب لهم " أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد " . ثم جمع تعالى أهل الكتابين من اليهود والنصارى فيما أحدثوا وابتدعوا ، فقال : " إنّ الّذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيّين بغير حقٍّ ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذابٍ أليم " إلى قوله " قل الّلهمّ مالك الملك " أي ربّ العباد والملك الذي لا يقضي فيهم غيره . " تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ " أي لايقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك " تولج الّليل في النّهار وتولج النّهار في الّليل وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ " أي بتلك القدرة . " وترزق من تشاء بغير حسابٍ " أي لا يقدر على ذلك غيرك ولا يصنعه إلاّ أنت ، أي إن كنت سلّطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إلهٌ ، من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، والخلق من الطّين ، والإخبار عن الغيوب ، لأجعله به آيةً للناس ، وتصديقًا له في نبوّته التي بعثته بها إلى قومه ، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه ؛ من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل ، وإخراج الحيّ من الميّت ، وإخراج الميت من الحيّ ؛ ورزق من شئت من برٍّ أو فاجرٍ بغير حساب ، فكلّ ذلك لم أسلّط عيسى عليه ، ولم أملّكه إياه ، أفلم بكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان إلها لكان ذلك كلّه إليه ، وهو في قولهم يهرب من الملوك ويتنقل منهم في البلاد ، من بلد إلى بلد .
ثم وعظ المؤمنين وحذّرهم فقال تعالى : " قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " أي ما مضى من كفركم " والله غفورٌ رحيمٌ . قل أطيعوا الله والرّسول فإن تولّوا فإنّ الله لا يحبّ الكافرين " يقول : أطيعوا الله والرسول فأنتم تعرفونه وتجدونه في كتابكم ، " فإن تولّوا " أي على كفرهم .

الصفحة 82