كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 83 """"""
ثم استقبل أمر عيسى عليه السلام ، وكيف كان بدء ما أراد الله تعالى به فقال : " إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيةً بعضها من بعضٍ والله سميعٌ عليمٌ " . ثم ذكر أمر امرأة عمران فقال : " إذا قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا " أي جعلته عتيقا يعبد الله عزّ وجل ، لا ينتفع به لشيء من الدنيا " فتنقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم . فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذّكر كالأنثى " أي ليس الذكر كالأنثى لما جعلتها محرّرًا لك نذيرة " وإنّي سمّيتها مريم وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشيطان الرّجيم " . يقول الله تعالى : فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريّا " أي كفلها بعد أبيها وأمها ؛ يذكرها باليتم ، ثم قصّ خبرها وخبر زكريا ، وما دعا به وما أعطاه ، إذ وهب له يحيى ، ثم ذكر مريم ، وقول الملائكة لها ، فقال تعالى : " وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين " قال الثعلبيّ : القائل من الملائكة جبريل وحده ، " اصطفاك " بولادة عيسى عليه السلام من غير أبٍ ، " وطهّرك " من مسيس الرجال . وقيل : كانت مريم عليها السلام لا تحيض و " اصطفاك " بالتحرير في المسجد " على نساء العالمين " قال : على عالمي زمانها ، ولم تحرّر أنثى غيرها . " يا مريم اقتني لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين " قال الثعلبي : قوله " اقنتي " أطيعي وأطيلي الصلاة لربك ، قال : كلّمتها الملائكة شفاهًا . قال الأوزاعيّ : لما قالت لها الملائكة ذلك ، قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسالتا دمًا وقيحا .
ثم قال تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم " قال ابن إسحق : كفلها هاهنا جريج الراهب رجلٌ من بني إسرائيل نجّار ، خرج السّهم عليه فحملها ، وكان زكريّا قد كفلها قبل ذلك ، فأصابت بني إسرائيل أزمةٌ شديدة ، فعجز زكريا عن حملها ، فاستهموا عليها ، فخرج السّهم على جريج الراهب فكفلها ، يقول تعالى : " وما كنت لديهم إذ يختصمون " أي ما كنت معهم إذ يختصمون في كفالتها ، فخبّره تعالى بخفيّ ما كتموا منه من العلم عندهم ؛ لتحقيق نبوّته ، والحجة عليهم بما يأتيهم به مما أخفوا منه . ثم قال تعالى : إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يبشّرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى بن مريم " أي هكذا كان أمره ، لا كما يقولون فيه . " وجيهًا في

الصفحة 83