كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)

"""""" صفحة رقم 84 """"""
الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين " " وجيهًا " أي شريفا ذا جاه وقدر " ومن المقربين " عند الله " ويكلّم النّاس في المهد وكهلاً ومن الصّالحين " يخبرهم بحالاته التي يتقلب فيها في عمره ؛ كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا ، إلاّ أنّ الله تعالى خصّه بالكلام في مهده آيةً لنبوّته وتنزيهًا لأمّه . وقوله : " وكهلاً " قال مقاتل : إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء . وقال الحسين بن الفضل : " كهلاً " بعد نزوله من السماء . وقال ابن كيسان : أخبرها أن يبقى حتى يكتهل . وقيل : يكلّم الناس في المهد صبيًّا وكهلا ؛ بشّرها بنبوّته ، فلأمه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة . وقال مجاهد : " وكهلاً " أي حليما .
قال تعالى إخبارا عن مريم : " قالت ربّ أنّى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون " ثم أخبرها بما يريد به فقال تعالى : " ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوارة والإنجيل " قوله " الكتاب " أي الكتابة والخطّ . و " الحكمة والتّوراة " التي كانت فيهم من عهد موسى قبله " والإنجيل " كتابا آخر أنزله الله إليه ، لم يكن عندهم إلاّ ذكره أنه كائن . يقول تعالى : " ورسولاً إلى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم " أي يحقّق فيها نبوّتي أنّى رسول منه إليكم . " أنّي أخلق لكم من الطّين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله " قال الثعلبيّ : قراءة العامة بالجمع ؛ لأنه خلق طيرا كثيرة ، وقرّاء أهل المدينة " طائراً " ذهبوا إلى أنه نوع واحد من الطّير ، لأنه لم يخلق غير الخفّاش ، قال : وإنما خصّ الخفّاش لأنه أكمل الطير خلقاً ، ليكون أبلغ في القدرة ؛ لأن لها ثديا وأسنانا وهي تحيض وتطير ، قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ، ليتميز فعل الخلق من فعل الله عزّ وجل ؛ وليعلم أن الكمال لله . " وأبرئ الأكمه والأبرص " " الأكمه " الذي يولد أعمى وجمعه كمه . وقيل : هو الأعمى وهو المعروف من كلام العرب ؛ قال سويد بن أبي كاهل :
كمهت عيناه حتى ابيضّتا . . . فهو يلحى نفسه حتى نزع

الصفحة 84