كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
حملتكم عليه وجئتكم به . يقول تعالى : " فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريّون نحن أنصار الله آمنّا بالله وأشهد بأنّا مسلمون . ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول فاكتبنا مع الشّاهدين " أي هكذا كان قولهم وإيمانهم ، لا كما يقول هؤلاء الذين يحاجّونك ، ثم ذكر تعالى رفعه عيسى إليه حين اجتمعوا لقتله ، فقال " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " قال أهل المعاني : المكر السّعي بالفساد في ستر ومداجاة . وقال الفرّاء : المكر من المخلوقين الحبّ والخديعة والحيلة ، وهو من الله استدراجه العباد . ثم أخبرهم تعالى ، وردّ عليهم فيما أقرّوا به لليهود من صلبه ، وأنّ الله عصمه منهم ، ورفعه إليه ، فقال تعالى : " إذ قال الله يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الّذين كفروا وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة ثمّ إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون . فأمّا الّذين كفروا فأعذّبهم عذابًا شديدًا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين . وأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فنوفّيهم أجورهم والله لا يحبّ الظّالمين . ذلك نتلوه عليك من الآيات والذّكر الحكيم " قال الثعلبيّ : اختلفوا في معنى التوفي هاهنا ؛ فقال كعب والحسن والكلبيّ ومطر الورّاق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريح وابن زيد : معناه إني قابضك ورافعك من الدنيا إليّ من غير موت . قال : وعلى هذا القول تأويلان : أحدهما - إني رافعك إليّ وافيا لم ينالوا منك شيئا ؛ من قولهم توفّيت هذا ، واستوفيته أي أخذته تامًّا .
والآخر - إني مسلّمك ؛ من قولهم توفّيت منه كذا أي تسلّمته . وقال الربيع بن أنس : معناه إني منيمك ورافعك إليّ في نومك ؛ ويدل عليه قوله تعالى : " وهو الّذي يتوفّاكم بالّليل " أي ينيمكم ؛ لأنّ النوم أخو الموت . وقوله تعالى : " الله يتوفّى الأنفس " الآية . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إني مميتك ، ويدل عليه قوله تعالى : " قل يتوفّاكم ملك الموت " وقوله : " أو نتوفّينك " قال : وله على هذا القول تأويلان : أحدهما - ما قال وهب : توفّى الله تعالى عيسى عليه السلام ثلاث ساعات من النهار ثم رفعه إليه . وقال ابن إسحق : النصارى يزعمون أن الله تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ، ثم أحياه ورفعه .