كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
مهجّرا ، فلمّا صلّى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الظهر ، سلّم ثم نظر عن يمينه ويساره ، فجعلت أتطاول له ليراني ، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح فدعاه له ، وذلك قبل الهجرة .
فقال : " اخرج فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه " قال عمر : فذهب بها أبو عبيدة . وهذا ما رواه ابن هشام عن ابن إسحق .
وقال محمد بن سعد في طبقاته : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما عرض عليهم المباهلة انصرفوا عنه ، ثم أتاه عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم ، فقال : قد بدا لنا ألا نباهلك ، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك . فصالحهم على ألفي حلّة : ألف في شهر رجب ، وألف في صفر ، أو قيمة كل حلّة من الأواقي ، وعلى عارية ثلاثين درعًا ، وثلاثين رمحًا وثلاثين بعيرًا ، وثلاثين فرسًا : إن كان باليمن كيد . ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبيّ رسول الله ، على أنفسهم وملّتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم ، لا يغيّر أسقفٌ من سقّيفاه ، ولا راهب من رهبانيّته ، ولا واقفٌ من وقفانيّته ، وفي بعض الروايات لا يغيّر وافهٌ من وفهيّته ، ولا قسيس من قسّيسيّته ، والوافه : قيّم الكنيسة .
قال : وأشهد على ذلك شهودا . منهم أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس والمغيرة بن شعبة ، ورجعوا إلى بلادهم ، فلم يلبث السيّد والعاقب إلاّ يسيرًا حتى رجعا إلى النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأسلما وأنزلهما في دار أبي أيوب الأنصاريّ ، وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى قبضه الله تعالى . ثم ولي أبو بكر فكتب بالوصاة بهم عند وفاته ، ثم أصابوا ربًا فأخرجهم عمر بن الخطاب من أرضهم ، وكتب لهم : " هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران . من سار منهم إنه آمنٌ بأمان الله ، لا يضرّهم أحدٌ من المسلمين ، وفاءً لهم بما كتب لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر - أما بعد - فمن وقعوا به من أمراء الشام وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض ، ما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة ، وعقبة لهم بمكان أرضهم ، لا سبيل عليهم فيه لأحدٍ ولا مغرم - أمّا بعد - فمن حضرهم بمن رجلٍ مسلم فلينصرهم على من ظلمهم ،