كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 18)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
وإذا صنم بصورة امرأة ، من صفاةٍ صفراء كالورس ، مجلوة كالمرآة ، فاستخرجتها ومسحتها بثوبي ونصبتها ، فآستوت قائمة ، فما تمالكت أن خررت ساجداً لها ، ثم قمت فنحرت البعير لها ورششتها بدمه ، وسميتها غلاب ، ثم حملتها على النجيبة وأتيت بها أهلي ، فحسدني كثير من قومي عليها ، وسألوني نصبها لهم ليعبدوها معي ، فأبيت عليهم ، فانفردت بعبادتها ، وجعلت لها نفسي كل يوم عتيرة ، وكانت لي ثلة من الضأن فأتيت على آخرها ، وأصبحت يوماً وليس لي ما أعتره ، وكرهت الإخلاف بنذري ، فأتيتها فشكوت إليها ذلك ، فإذا هاتفٌ من جوفها يقول : يا مال يا مال ، لاتأس على المال ، سر إلى طوى الأرقم ، فخذ الكلبي الأسحم ، الوالغ في الدم ، ثم صد به نعم . قال مالك : فخرجت من فوري إلى طوى الأرقم ، فإذا كلب أسحم هائل المنظر ، قد وثب على قرهبٍ - يعني ثورا وحشيا - فصرعه وأنا أنظر إليه ، ثم بقر بطنه ، وجعل يلغ في دمه ، قال فتهيبته ، ثم أقدمت عليه وهو مقبل على عقيرته ، لم يلتفت إلي ، فشددت في عنقه حبلا ، ثم جذبته فتبعني ، فأتيت راحلتي فأثرتها ، وقدتها إلى القرهب ، فأنختها وجررته وحملته عليها .
ثم قدتها قاصداً إلى الحي ، والكلب يلوذ بي فعنت لي ظبيةٌ ، فجعل الكلب يثب ويجاذبني المرس ، فترددت في إرساله ثم أرسلته ، فمر كالسهم حتى اختطفها فأتيته فجذبته إياها فأرسلها في يدي ، فاستفزني السرور ، وأتيت أهلي فعترت الظبية لغلاب ، ووزعت لحم القرهب ، وبت بخير ليلة ، ثم باركت به الصيد ، فلم يفته حمار ، ولا ما طله ثور ، ولا اعتصم منه وعل ، ولا أعجزه ظبيٌ ، فتضاعف سروري به ، وبالغت في إكرامه ، وسميته سحاما ، فلبث بذلك ما شاء الله ، فإنى لذات يوم أصيد به ، فبصرت بنعامة على أدحيها ، وهي قريبة منى ، فأرسلته عليها ، فأجفلت أمامه ، واتبعتها على فرس جواد ، فلما كاد الكلب يثب عليها ، انقضت عليه عقاب من الجو فكر راجعاً نحوي فصحت به فما كذب ، وأمسكت الفرس فجاء سحام حتى دخل بين قوائمها ، ونزلت العقاب أمامي على صخرة ، وقالت : سحام ، قال الكلب : لبيك ، قالت : هلكت الأصنام ، وظهر الإسلام ، فأسلم تنج بسلام ، وإلا فليست بدار مقام . ثم طارت العقاب ، وتبصرت سحاما فلم أره ، وكان آخر عهدي به .